أجبرت الظروف الاقتصادية الصعبة الكثير من السعوديين للعمل في مهن لم يكن من المعتاد مشاهدتهم فيها سابقاً. فبعد أكثر من ثلاثة عقود من التحولات الاقتصادية، التي شهدها المجتمع السعودي، تغيّر مفهوم العمل ليتجاوز النظرة الضيقة، التي لا ترى في الوظيفة سوى مكتب مكيّف وراتب ضخم نهاية كل شهر.
وعاد السعوديون لتسلّم رايات بعض تلك المهن تدريجياً، فلم يعد مستغرباً مشاهدة سعودي يعمل سائق أجرة، أو سيدة سعودية تعمل مندوبة مبيعات، ناهيك عن سعوديين يعملون في مطاعم الوجبات السريعة، وسعوديات يعملن بائعات في محلات مستلزمات نسائية، أو "كاشيرات"، فهذه المهن البسيطة لم تعد مقتصرة على الأجانب فقط.
وأجبرت الرواتب المتدنية للسعوديين في القطاع الخاص الكثير من السعوديين للجوء لمهن إضافية، لتلبية حاجاتهم المادية. وبحسب وزارة العمل، يبلغ متوسط أجور السعوديين في القطاع الخاص 4748 ريالاً (1260 دولاراً)، فيما تؤكد البيانات انخفاض متوسط الأجور 11% خلال عامين فقط، بسبب زيادة التوظيف براتب الحد الأدنى تلبية لمتطلبات برنامج نطاقات الذي يستهدف توظيف السعوديين في القطاع الخاص.
وأشارت إحصاءات وزارة العمل إلى أن مهن الزراعة وتربية الحيوان والطيور والصيد، سجلت أدنى مستوى لمتوسط الرواتب بين كل الوظائف الأخرى للسعوديين بـ2996 ريالاً فقط (799 دولاراً) شهرياً.
ووفق بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، هناك نحو 73 ألف موظف سعودي يتقاضون رواتب شهرية أقل من ألفي ريال (533 دولاراً).
في المقابل، يبلغ عدد الموظفين الحكوميين 1.2 مليون موظف بمتوسط راتب شهري للفرد 6400 ريال (1700 دولار)، وهو الأقل بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يبلغ 15200 ريال (4 آلاف دولار).
وقال الخبير الاقتصادي، فهد القاسم، لـ"العربي الجديد"، إن "متوسط الأجور المتدني لا يكفي لبناء أسرة حقيقية، فهو لا يكفي لإعاشة شخص واحد وليس عائلة كبيرة، ولكن في المقابل يجب أن ننظر لقضية أخرى تتعلق بمستوى تأهيل وتعليم الموظفين الذين يعلمون بالحد الأدنى للأجور، حيث إن أغلبهم خريجي ثانوية أو طلاب جامعة". وتابع القاسم: "عمل السعوديين في مهن كسائقي الأجرة معتاد عليه منذ زمن، لكن الجديد أن هناك مهناً شهدت دخول سعوديين، مثل الجزارة والطبخ، وهي أمور غير معتاد عليها".
ولا توجد أرقام محددة للسعوديين الذين يعلمون في مهن يدوية، ولكن وزارة العمل قالت قبل أشهر، إنها وظفت نحو 400 ألف سعودية في محلات بيع المستلزمات النسائية، كبائعات وعاملات في المحلات، وهي وظائف تحاول من خلالها تقليص نسبة البطالة التي تقدّر بـ11.7%.
وقبل ثلاثين عاماً لم يكن السعوديون بحاجة للعمل كسائقين أو عاملين في محلات خضار أو حتى مندوبي مبيعات، وكانت الرواتب جيدة مقارنة بأسعار السلع الاستهلاكية، وفق محللين اقتصاديين، غير أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تصل إلى 100%، قابلها تدنٍ في الرواتب.
وتقدم وزارة الشؤون الاجتماعية معونة ضمان اجتماعي للفقراء تبلغ نحو 850 ريالاً (226.6 دولاراً)، عن الفرد الواحد في العائلة لتوفير المستلزمات الضرورية، لكن مستفيدين من هذه المعونة يرون أنها لا تكفي وسط غلاءٍ متنامٍ في المعيشة.
وقال القاسم: "المساعدات التي يقدمها الضمان الاجتماعي لأكثر من 900 ألف مواطن فقير سعودي، تكشف مقدار الفقر في المملكة".
ويطالب البعض بزيادة رواتب الموظفين السعوديين الذين يتقاضون كحد أدني 3 آلاف ريال (806 دولارات)، غير أن القاسم يشدد على أن هذا الخيار غير ممكن عملياً، موضحاً: "من الصعب رفع رواتب الموظفين، لأن زيادتها سترفع تباعاً من أسعار السلع، كما أن زيادة راتب الموظف السعودي ستقابلها زيادة في رواتب الموظفين غير السعوديين".
وأجبرت الظروف الاقتصادية الكثير من السعوديين على كسر ما وصفه محللون بعقدة "العيب"، وعملوا في وظائف كان لا يمكن التفكير فيها قبل نحو عقد من اليوم، ليزاحموا العمالة الآسيوية في العديد من المهن اليدوية.
وأكد المحلل الاقتصادي، راشد العلي، لـ"العربي الجديد"، أن السعوديين كانوا في السابق يعملون في كل المهن اليدوية، سباكون ونجارون وبلا أدنى تحسّس من هذه الوظائف، ولكن الطفرة الاقتصادية التي حدثت في السبعينات والثمانينات، جعلتهم يهجرون هذه المهن لصالح العمالة الوافدة.
وأضاف العلي أنه مع الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار مقابل ندرة الوظائف، عاد الكثير من السعوديين للمهن اليدوية من جديد، كاسرين حاجز العيب الذي كان يمنعهم منها.
كثيرون استغلوا فترة التصحيح التي قامت بها وزارة العمل بالتعاون مع وزارة الداخلية لإبعاد العمالة غير النظامية لسد الفراغ، متحدين نظرة المجتمع إليهم، من هؤلاء عبد الله البراك، الذي قرر العمل كسباك، بعد أن عجز عن الحصول على وظيفة مناسبة.
وأشار البراك، الذي تخرّج قبل أربعة أعوام من المعهد المهني، إلى أنه قرر العمل اليدوي لكي يحصل على دخل جيد، على الرغم من معارضة الأهل له في البداية. وقال لـ"العربي الجديد": "لم يكن أمامي حل آخر، إما أن أكون عالة على عائلتي، أو أن أعمل بيدي، وخاصة أنني أملك الخبرة المهنية في هذا المجال". ويضيف: "انقسم المجتمع ما بين مشجع لعملي ورافض، ولكنني لم أهتم بكل هذا الأمور وفكرت في نفسي فقط".
وليس كل من يلجأ لتلك المهن بدافع الحاجة، فقد قرر مزيد الصرامي، التقاعد من عمله الحكومي من أجل أن يعمل طباخاً حباً لمهنة الطبخ، كما أن الأمر ساهم في تحسن أوضاعه المادية، منذ أن افتتح مطعمه الخاص الذي يلقى رواجاً كبيراً في الخبر (شرق السعودية)، وهو حالياً يوظف ستة سعوديين معه في المحل ذاته، معتبراً ذلك المكسب الحقيقي لمشروعه.
اقرأ أيضا:
السماح لموظفي السعودية بالتجارة يحارب التستر ويحسّن أوضاعهم
وأجبرت الرواتب المتدنية للسعوديين في القطاع الخاص الكثير من السعوديين للجوء لمهن إضافية، لتلبية حاجاتهم المادية. وبحسب وزارة العمل، يبلغ متوسط أجور السعوديين في القطاع الخاص 4748 ريالاً (1260 دولاراً)، فيما تؤكد البيانات انخفاض متوسط الأجور 11% خلال عامين فقط، بسبب زيادة التوظيف براتب الحد الأدنى تلبية لمتطلبات برنامج نطاقات الذي يستهدف توظيف السعوديين في القطاع الخاص.
وأشارت إحصاءات وزارة العمل إلى أن مهن الزراعة وتربية الحيوان والطيور والصيد، سجلت أدنى مستوى لمتوسط الرواتب بين كل الوظائف الأخرى للسعوديين بـ2996 ريالاً فقط (799 دولاراً) شهرياً.
ووفق بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، هناك نحو 73 ألف موظف سعودي يتقاضون رواتب شهرية أقل من ألفي ريال (533 دولاراً).
في المقابل، يبلغ عدد الموظفين الحكوميين 1.2 مليون موظف بمتوسط راتب شهري للفرد 6400 ريال (1700 دولار)، وهو الأقل بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يبلغ 15200 ريال (4 آلاف دولار).
وقال الخبير الاقتصادي، فهد القاسم، لـ"العربي الجديد"، إن "متوسط الأجور المتدني لا يكفي لبناء أسرة حقيقية، فهو لا يكفي لإعاشة شخص واحد وليس عائلة كبيرة، ولكن في المقابل يجب أن ننظر لقضية أخرى تتعلق بمستوى تأهيل وتعليم الموظفين الذين يعلمون بالحد الأدنى للأجور، حيث إن أغلبهم خريجي ثانوية أو طلاب جامعة". وتابع القاسم: "عمل السعوديين في مهن كسائقي الأجرة معتاد عليه منذ زمن، لكن الجديد أن هناك مهناً شهدت دخول سعوديين، مثل الجزارة والطبخ، وهي أمور غير معتاد عليها".
ولا توجد أرقام محددة للسعوديين الذين يعلمون في مهن يدوية، ولكن وزارة العمل قالت قبل أشهر، إنها وظفت نحو 400 ألف سعودية في محلات بيع المستلزمات النسائية، كبائعات وعاملات في المحلات، وهي وظائف تحاول من خلالها تقليص نسبة البطالة التي تقدّر بـ11.7%.
وقبل ثلاثين عاماً لم يكن السعوديون بحاجة للعمل كسائقين أو عاملين في محلات خضار أو حتى مندوبي مبيعات، وكانت الرواتب جيدة مقارنة بأسعار السلع الاستهلاكية، وفق محللين اقتصاديين، غير أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تصل إلى 100%، قابلها تدنٍ في الرواتب.
وتقدم وزارة الشؤون الاجتماعية معونة ضمان اجتماعي للفقراء تبلغ نحو 850 ريالاً (226.6 دولاراً)، عن الفرد الواحد في العائلة لتوفير المستلزمات الضرورية، لكن مستفيدين من هذه المعونة يرون أنها لا تكفي وسط غلاءٍ متنامٍ في المعيشة.
وقال القاسم: "المساعدات التي يقدمها الضمان الاجتماعي لأكثر من 900 ألف مواطن فقير سعودي، تكشف مقدار الفقر في المملكة".
ويطالب البعض بزيادة رواتب الموظفين السعوديين الذين يتقاضون كحد أدني 3 آلاف ريال (806 دولارات)، غير أن القاسم يشدد على أن هذا الخيار غير ممكن عملياً، موضحاً: "من الصعب رفع رواتب الموظفين، لأن زيادتها سترفع تباعاً من أسعار السلع، كما أن زيادة راتب الموظف السعودي ستقابلها زيادة في رواتب الموظفين غير السعوديين".
وأجبرت الظروف الاقتصادية الكثير من السعوديين على كسر ما وصفه محللون بعقدة "العيب"، وعملوا في وظائف كان لا يمكن التفكير فيها قبل نحو عقد من اليوم، ليزاحموا العمالة الآسيوية في العديد من المهن اليدوية.
وأكد المحلل الاقتصادي، راشد العلي، لـ"العربي الجديد"، أن السعوديين كانوا في السابق يعملون في كل المهن اليدوية، سباكون ونجارون وبلا أدنى تحسّس من هذه الوظائف، ولكن الطفرة الاقتصادية التي حدثت في السبعينات والثمانينات، جعلتهم يهجرون هذه المهن لصالح العمالة الوافدة.
وأضاف العلي أنه مع الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار مقابل ندرة الوظائف، عاد الكثير من السعوديين للمهن اليدوية من جديد، كاسرين حاجز العيب الذي كان يمنعهم منها.
كثيرون استغلوا فترة التصحيح التي قامت بها وزارة العمل بالتعاون مع وزارة الداخلية لإبعاد العمالة غير النظامية لسد الفراغ، متحدين نظرة المجتمع إليهم، من هؤلاء عبد الله البراك، الذي قرر العمل كسباك، بعد أن عجز عن الحصول على وظيفة مناسبة.
وأشار البراك، الذي تخرّج قبل أربعة أعوام من المعهد المهني، إلى أنه قرر العمل اليدوي لكي يحصل على دخل جيد، على الرغم من معارضة الأهل له في البداية. وقال لـ"العربي الجديد": "لم يكن أمامي حل آخر، إما أن أكون عالة على عائلتي، أو أن أعمل بيدي، وخاصة أنني أملك الخبرة المهنية في هذا المجال". ويضيف: "انقسم المجتمع ما بين مشجع لعملي ورافض، ولكنني لم أهتم بكل هذا الأمور وفكرت في نفسي فقط".
وليس كل من يلجأ لتلك المهن بدافع الحاجة، فقد قرر مزيد الصرامي، التقاعد من عمله الحكومي من أجل أن يعمل طباخاً حباً لمهنة الطبخ، كما أن الأمر ساهم في تحسن أوضاعه المادية، منذ أن افتتح مطعمه الخاص الذي يلقى رواجاً كبيراً في الخبر (شرق السعودية)، وهو حالياً يوظف ستة سعوديين معه في المحل ذاته، معتبراً ذلك المكسب الحقيقي لمشروعه.
اقرأ أيضا:
السماح لموظفي السعودية بالتجارة يحارب التستر ويحسّن أوضاعهم