12 نوفمبر 2024
ارتباك الحكومة في تونس
على الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على تشكيل الحكومة التونسية، برئاسة الحبيب الصيد، يبدو أنها ما زالت تبحث عن نفسها، وعجزت عن إيجاد الآليات المناسبة لإدارة الوضع العام في البلاد، وهو أمر تجلى في غياب وضوح الرؤية، وانعدام البرامج التي تسمح بإدارة بلد يعاني حزمة من المشكلات والعقبات، ليس أدناها مشكلات الاقتصاد وقضايا الاحتقان الاجتماعي، بالإضافة إلى مشكل الإرهاب الذي يطل بظله الأسود على المشهد العام برمته.
فمن ناحية، يبدو التنسيق شبه منعدم بين وزراء حكومة الصيد (يهيمن عليها حزب نداء تونس) إلى حد تظهر معه وكأنها لا تعمل كفريق حكومي متضامن، بل وتصل التناقضات إلى حد التضارب بين مواقف الوزراء ومواقف رئيس الدولة الذي يبدو صاحب السلطة الحقيقية، على الرغم من أن دستور تونس ما بعد الثورة يمنح غالبية الصلاحيات التنفيذية لرئيس الحكومة، وليس لرئيس الجمهورية، فحكومة الكفاءات القادرة على تسيير أربع دول، أو أكثر، (كما وعد بها يوما الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي) ظهرت عاجزة عن إدارة ملفات الدولة التونسية، بل وأحدثت أزمات جديدة، أفضت إلى تصاعد الإضرابات، وتزايد حالة الاحتقان الاجتماعي أكثر من ذي قبل.
غلب الارتباك وفوضى التصريحات على وزراء الحكومة الحالية، وكان أداؤهم باهتاً، يكشف عن عجز في التعامل مع قضايا عاجلة وملحة، بالنسبة لبلد يخوض تجربة الانتقال الديمقراطي، ويعاني من أزمات هيكلية حادة، تعود جذورها إلى زمن الاستبداد، بالإضافة إلى ما طرأ من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية بعد الثورة، وإكراهات الوضع الإقليمي الذي يؤثر في المشهد التونسي سلبياً. ومن دون استعراض تفصيلي لأداء الوزراء، فإن حكومة الصيد تراكم جملة من الأخطاء الناجمة عن عجزها على تصريف الأزمات، خصوصاً في تعاملها مع القضايا الاجتماعية الملحة، في ظل موجة إضرابات حادة، يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل، في غالبية القطاعات الحيوية، تصاحبها احتجاجات جهوية متصاعدة، بسبب غياب التنمية والاكتفاء بالحل الأمني، وتقديم وعود جوفاء لمواطني المناطق المحرومة.
وربما كانت جذور العجز الحكومي كامنةً في بنيتها من حيث كونها حكومة محاصصة، ولأن رئيسها يفتقر إلى الفاعلية والنفوذ الكافي، لتمرير قرارات حاسمة ومؤثرة، وهذا لا يعود إلى نقص شخصي في رئيس الحكومة نفسه، بقدر ما يعود إلى أن الحكومة نفسها محل تنازع بين قوى نافذة ومتقاطعة، من داخلها أو من خارجها. فالقوى النافذة اقتصادياً (يمثلها اتحاد الأعراف) تحاول مضاعفة مكاسبها، وهي في هذا ترفض الاستجابة لشروط التنمية العادلة التي تقتضي منها التزاماً بدفع ضرائبها كاملة، مع مراعاة الجانب الاجتماعي، والتوزيع العادل على الجهات. وفي مقابل هذه الفئة، نجد اتحاد النقابات الذي يقوم بدور القوة المضادة التي تحاول فرض شروطها في زيادة الأجور، من خلال الإضرابات التي تجاوزت الحد، في أحيانٍ كثيرة، وتبقى النخبة السياسية الموزعة بين الأحزاب مترددة بين رغبتها في إرضاء الجمهور العام ومحاولة الوصول إلى مواقع الهيمنة والنفوذ، من خلال اقترابها من هذه الجهة أو تلك، ومن دون مراعاة أحياناً لحالة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها الدولة.
وإذا أضفنا إلى كل هذا التوتر الداخلي حالة التفجر الإقليمي التي تضغط بقوة على الأوضاع التونسية (خصوصاً الأزمة الليبية المعقدة وذات الخيوط المتشابكة)، والتي تتقاطع مع غياب رؤية دبلوماسية واضحة للتعامل معها بشكل ناجع، فإن هذه العوامل تضاعف حالة العجز الحكومي، وتفاقم الأزمات أكثر مما تساعد على حلها، أو التخفيف منها.
وإجمالاً، لا يمكن إنكار الصعوبات الحادة التي تعترض الأداء الحكومي في تونس، وطبيعة المشكلات المركبة ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية التي ينبغي التصدي لها وحلها، غير أن كل هذه الأمور لم تكن لتخفى على صانع القرار في تونس، بل إن الجزء الأكبر من الحملة الانتخابية التي خاضتها الأحزاب المشاركة في الحكومة اليوم (وخصوصاً نداء تونس، صاحب الأغلبية) انبنت على وعود بحل هذه المشكلات، والتركيز على فكرة إعادة هيبة الدولة، وبلوغ حالة من الاستقرار الاجتماعي، والانتظام الاقتصادي، بما يكفي لجلب الاستثمارات الخارجية، وكسب ثقة المؤسسات المالية الدولية (خصوصاً في ظل سياسة الاقتراض المتصاعدة)، وهي وعود فشلت الحكومة الحالية في الإيفاء بها، على الأقل إلى حدود اللحظة الراهنة، حيث يكتفي الوزراء بالتعامل الدعائي مع المشكلات المطروحة أكثر من الرغبة في حلها جذرياً، واعتماد سياسة المسكنات الوقتية، في التعامل مع الوضع الاجتماعي المتفاقم.
وإذا كانت تونس قد تمكنت فعلياً من مجاوزة المخلفات السلبية للتحول الديمقراطي، وتجنب الوقوع في حالة الفوضى، أو العودة إلى مربع الاستبداد، وهو أمر لا يمكن إلا الثناء عليه، غير أنه من الأكيد أن الوتيرة الحالية للحراك الحكومي، وما يشوبه من عجز، ومن غياب المسؤولية، ورغبة في تحميل ارتباك الأداء للقوى السياسية التي هي خارج الحكم، قد لا يبشر بخير، خصوصاً إذا لم تتم مراجعة المسار الحكومي الحالي، وفتح حوار مجتمعي واسع، يشمل كل القوى السياسية والاجتماعية، من أجل إقرار خطة شاملة وعاجلة، لتفكيك الأزمات والدخول في هدنة اجتماعية تمنح مؤسسات الدولة الفرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة بناء نفسها، بصورة تسمح بتحقيق بعض التقدم، في غضون السنوات الخمس المقبلة، وغير هذا، فينبغي العودة إلى الشعب من جديد، ليختار الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة.
غلب الارتباك وفوضى التصريحات على وزراء الحكومة الحالية، وكان أداؤهم باهتاً، يكشف عن عجز في التعامل مع قضايا عاجلة وملحة، بالنسبة لبلد يخوض تجربة الانتقال الديمقراطي، ويعاني من أزمات هيكلية حادة، تعود جذورها إلى زمن الاستبداد، بالإضافة إلى ما طرأ من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية بعد الثورة، وإكراهات الوضع الإقليمي الذي يؤثر في المشهد التونسي سلبياً. ومن دون استعراض تفصيلي لأداء الوزراء، فإن حكومة الصيد تراكم جملة من الأخطاء الناجمة عن عجزها على تصريف الأزمات، خصوصاً في تعاملها مع القضايا الاجتماعية الملحة، في ظل موجة إضرابات حادة، يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل، في غالبية القطاعات الحيوية، تصاحبها احتجاجات جهوية متصاعدة، بسبب غياب التنمية والاكتفاء بالحل الأمني، وتقديم وعود جوفاء لمواطني المناطق المحرومة.
وربما كانت جذور العجز الحكومي كامنةً في بنيتها من حيث كونها حكومة محاصصة، ولأن رئيسها يفتقر إلى الفاعلية والنفوذ الكافي، لتمرير قرارات حاسمة ومؤثرة، وهذا لا يعود إلى نقص شخصي في رئيس الحكومة نفسه، بقدر ما يعود إلى أن الحكومة نفسها محل تنازع بين قوى نافذة ومتقاطعة، من داخلها أو من خارجها. فالقوى النافذة اقتصادياً (يمثلها اتحاد الأعراف) تحاول مضاعفة مكاسبها، وهي في هذا ترفض الاستجابة لشروط التنمية العادلة التي تقتضي منها التزاماً بدفع ضرائبها كاملة، مع مراعاة الجانب الاجتماعي، والتوزيع العادل على الجهات. وفي مقابل هذه الفئة، نجد اتحاد النقابات الذي يقوم بدور القوة المضادة التي تحاول فرض شروطها في زيادة الأجور، من خلال الإضرابات التي تجاوزت الحد، في أحيانٍ كثيرة، وتبقى النخبة السياسية الموزعة بين الأحزاب مترددة بين رغبتها في إرضاء الجمهور العام ومحاولة الوصول إلى مواقع الهيمنة والنفوذ، من خلال اقترابها من هذه الجهة أو تلك، ومن دون مراعاة أحياناً لحالة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها الدولة.
وإذا أضفنا إلى كل هذا التوتر الداخلي حالة التفجر الإقليمي التي تضغط بقوة على الأوضاع التونسية (خصوصاً الأزمة الليبية المعقدة وذات الخيوط المتشابكة)، والتي تتقاطع مع غياب رؤية دبلوماسية واضحة للتعامل معها بشكل ناجع، فإن هذه العوامل تضاعف حالة العجز الحكومي، وتفاقم الأزمات أكثر مما تساعد على حلها، أو التخفيف منها.
وإجمالاً، لا يمكن إنكار الصعوبات الحادة التي تعترض الأداء الحكومي في تونس، وطبيعة المشكلات المركبة ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية التي ينبغي التصدي لها وحلها، غير أن كل هذه الأمور لم تكن لتخفى على صانع القرار في تونس، بل إن الجزء الأكبر من الحملة الانتخابية التي خاضتها الأحزاب المشاركة في الحكومة اليوم (وخصوصاً نداء تونس، صاحب الأغلبية) انبنت على وعود بحل هذه المشكلات، والتركيز على فكرة إعادة هيبة الدولة، وبلوغ حالة من الاستقرار الاجتماعي، والانتظام الاقتصادي، بما يكفي لجلب الاستثمارات الخارجية، وكسب ثقة المؤسسات المالية الدولية (خصوصاً في ظل سياسة الاقتراض المتصاعدة)، وهي وعود فشلت الحكومة الحالية في الإيفاء بها، على الأقل إلى حدود اللحظة الراهنة، حيث يكتفي الوزراء بالتعامل الدعائي مع المشكلات المطروحة أكثر من الرغبة في حلها جذرياً، واعتماد سياسة المسكنات الوقتية، في التعامل مع الوضع الاجتماعي المتفاقم.
وإذا كانت تونس قد تمكنت فعلياً من مجاوزة المخلفات السلبية للتحول الديمقراطي، وتجنب الوقوع في حالة الفوضى، أو العودة إلى مربع الاستبداد، وهو أمر لا يمكن إلا الثناء عليه، غير أنه من الأكيد أن الوتيرة الحالية للحراك الحكومي، وما يشوبه من عجز، ومن غياب المسؤولية، ورغبة في تحميل ارتباك الأداء للقوى السياسية التي هي خارج الحكم، قد لا يبشر بخير، خصوصاً إذا لم تتم مراجعة المسار الحكومي الحالي، وفتح حوار مجتمعي واسع، يشمل كل القوى السياسية والاجتماعية، من أجل إقرار خطة شاملة وعاجلة، لتفكيك الأزمات والدخول في هدنة اجتماعية تمنح مؤسسات الدولة الفرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة بناء نفسها، بصورة تسمح بتحقيق بعض التقدم، في غضون السنوات الخمس المقبلة، وغير هذا، فينبغي العودة إلى الشعب من جديد، ليختار الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة.