احتياطيات الصين والتهاوي الاقتصادي

18 ديسمبر 2016
بوادر أزمة اقتصادية تعيشها الصين (وانج زهاو/فرانس برس)
+ الخط -


مع بداية الألفية الثالثة، استطاعت الصين عبر تجربتها الاقتصادية، أن تسطر مكانتها على صفحات الاقتصاد العالمي، سواء من حيث معدلات النمو، أو زيادة حصتها في الصادرات العالمية، أو احتياطياتها من النقد الأجنبي.
ومع حلول الأزمة المالية العالمية عام 2008، أعلنت الصين بشكل صريح عن تمردها على المنظومة الاقتصادية الأميركية المسيطرة على مقدرات الاقتصاد العالمي، فأخذت تنادي في اجتماعات مجموعة العشرين، بضرورة البحث عن بديل للدولار في تسويات المعاملات الدولية، وهو الأمر الذي قوبل برفض أميركي.

ولكن بكين واصلت أجندتها من خلال اعتماد العملات المحلية في التسويات الخاصة بالتجارة الدولية مع دول الجوار، ومع عدد كبير من دول آسيا، وكذلك تجمع البريكس الذي يضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا.
ولكن الخطوة التي مثلت حجر الزاوية في الصراع غير المعلن بصورة كاملة، من قبل الصين من جهة، وأوروبا وأميركا من جهة أخرى، أتت من خلال الإعلان عن إنشاء بنك التنمية الآسيوي، برأسمال 100 مليار دولار من قبل الصين، ومساهمات محدودة من دول أخرى، والملاحظ أن بعض الدول الأوروبية طلبت الانضمام لعضوية هذا البنك، ولكن أميركا لم تُقدم على هذه الخطوة.

ويمكن القول بأن هناك حرباً باردة اقتصادياً بين الصين وأميركا، بدأت مظاهرها بشكل كبير، بعد الأزمة المالية العالمية، والتي كان يتوقع لها أن تكون قاصمة الظهر للامبراطورية الأميركية، ولكن على ما يبدو فإن أميركا استعادت قوتها الاقتصادية بعد نحو 7 سنوات، لينتعش الاقتصاد الأميركي مرة أخرى في عام 2015، ويحقق مؤشرات كلية إيجابية في 2016، تؤهله لمزيد من القرارات على صعيد السياسات الاقتصادية، للحصول مرة أخرى على أكبر قدر من الاستثمارات العالمية.

وعلى الجانب الآخر، كان أداء الاقتصاد الصيني آخذاً في الهبوط، بدءاً من تهاوي معدلات النمو، خاصة في 2015، وتفاقم مشكلة الديون المحلية، وتراجع الصادرات، ومؤخراً تهاوي احتياطيات النقد الأجنبي، ويعد هذا المؤشر دلالة على إحكام منظومة تراجع الاقتصاد الصيني.
وكانت العديد من التحليلات الاقتصادية، تعول كثيراً على الصين في القيام بدور المنقذ للاقتصاد العالمي، وتعافي معدلات النمو، عبر احتياطيات النقد الأجنبي، وارتفاع معدلات النمو، وزيادة الصادرات والواردات، مما يؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل، وتنشيط التجارة الدولية، التي ما زالت قيد معدل نمو سنوي لا يتعدى 2.5%، في حين أن المطلوب تجاوزها 4% لتحقيق معدلات مرضية.

في عام 2007 صدر كتاب "حرب العملات"، في الولايات المتحدة لمؤلف أميركي من أصل صيني، ليثبت أن أميركا تقود حرب عملات من أجل هدم ثروة الصين الاقتصادية المتمثلة في احتياطياتها من النقد الأجنبي.
وكان احتياطي النقد الأجنبي للصين في مطلع الألفية الثالثة نحو 1.7 تريليون دولار، ووصل عام 2010 إلى 2.9 تريليون دولار، وبلغ حده الأعلى بنهاية 2014 ليصل إلى 3.9 تريليونات دولار، ولكن رحلة الهبوط بدأت مع نهاية 2015، ليصل إلى 3.4 تريليونات دولار، كنتيجة طبيعية لبوادر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الصين، والتي يترقبها الاقتصاد العالمي، ويتوقع لها بعض الخبراء أن تكون آثارها السلبية أشد خطورة من الأزمة المالية العالمية في 2008.

أي أن عام 2015 شهد انخفاضا في قيمة احتياطي النقد بالصين بنحو نصف تريليون دولار، وبنسبة تبلغ 12.8% عما كان عليه بنهاية عام 2014.
وحسبما أوردت وكالة رويترز نقلًا عن البنك المركزي الصيني فقد بلغ معدل انهيار الاحتياطي في 11 شهراً من العام الحالي 2016 نحو 400 مليار دولار، ليصل إجمالي ما تم خسارته منذ مطلع العام الماضي إلى نحو 900 مليار دولار، بهبوط بلغت نسبته 23%.

واعتقد أن الاقتصاد الصيني سيشهد مزيدا من التراجع وانهيار احتياطي النقد الأجنبي، لتنخفض جذوة أحد أهم ثمار التجربة الصينية، وهي رصيدها الضخم من الاحتياطي، الذي كان يمثل في بعض الأوقات أحد أوراق الضغط في مواجهة أميركا.
وعلى مدار ما يزيد عن عقد ونصف من الزمن كانت قضية انخفاض قيمة العملة الصينية، واحدة من القضايا التي تحتل صدارة اهتمامات الأجندة الأوروبية والأميركية، وطالبا الصين غير مرة، بضرورة رفع قيمة عملتها، لأنها بذلك تدعم صادراتها من خلال قيمة عملتها المنخفضة، ولكن منذ بداية تراجع احتياطي النقد في الصين، لم تعد أميركا ولا أوروبا تطرحان هذا الأمر.

وعلى ما يبدو فإن أميركا منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، تمارس ما أطلق عليه الاقتصاديون "الدولار اللص"، حيث تخلت واشنطن عن قاعدة الذهب، ومن هنا فإنها تبيع الوهم لشعوب العالم، عبر احتفاظ الحكومات بالدولار كعملة احتياطي من النقد الأجنبي.
وليس من قبيل المصادفة، أن يكتب "بول كرجمان" الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل، في أحد مقالاته المترجمة للعربية، أن هناك نكتة تتداول في أميركا تصور علاقة الولايات المتحدة بالصين، وهي "أننا نعطي الصين ورقاً ملوناً، وهم يبيعون لنا لعب أطفال ملوثة".

فما كتبه مؤلف "حرب العملات"، وكذلك ما دونه الاقتصادي "بول كرجمان" يدلل على أن أميركا تحكم سيطرتها على مقدرات الاقتصاد العالمي، وأن صعود اقتصادها المتوقع خلال الفترة القادمة سيكون على حساب باقي شعوب العالم.
لكن الإدارة الصينية ملهمة في التعامل مع الأزمات، فمقولة أن "الأزمة تخلق فرصة" تنسب للمدرسة الصينية في الإدارة، ولكن هذه المرة، فالمعترك مالي، ويمسك بتلابيب العديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية في الصين.

هل سيخرج علينا المارد الصيني بحل خارج الصندوق، ليتجاوز باقي الدول الصاعدة التي تعاني مشكلات مماثلة؟ أم سيستكين في إطار منظومة الرأسمالية الأميركية الأوروبية، ويدور في فلكها، ليحافظ على ما تحقق من إنجازات اقتصادية، وبنية أساسية، وترسانة صناعية ومعلوماتية.



المساهمون