استعراضات، إصدارات، معارض رسم، حفلات موسيقية، مسرح إلخ.. كل شيء يبتلعه الاحتفال بذكرى 6 أكتوبر في مصر. فجأة تنبجس الثقافة من قمقمها، وتوضع لها محرّكات نفاثة فتتكاثر الفعاليات. إنه "موسم الفيضان" الثقافي الذي يأتي سنوياً منذ أكثر من أربعين عاماً.
ليست الاحتفالات شأناً هيناً في ثقافة الدولة، أية دولة، إنها موعد التذكير بالركيزة (النظرية) للشرعية. كانت "ثورة يوليو" خزّان شرعية حكم جمال عبد الناصر، وكذلك أنور السادات في سنوات حكمه الأولى.
ربما لاحظ هذا الأخير أن هذه مرجعية اهترأت، فقطْع مسافة عقدين من الزمن بيّن للشعب بأن الوعود لم تتحقّق. وحين جاء "نصر 6 أكتوبر"، قفز السادات ببدلته العسكرية على الفرصة فحوّله إلى مرجعية الشرعية الجديدة.
في العادة، يكون حدث انتقال السلطة هو مرجعية الشرعية الجديدة (مثل "ثورة يوليو") كونه يُصوَّر كعملية إنقاذ. لم يحظ حسني مبارك بهذه الفرصة، كونه تسلّم السلطة على إثر عملية اغتيال السادات، لكنه وجد خزّان الشرعية جاهزاً، ما زال فعّالاً في الأذهان إذ لا يفصله عنه سوى تسع سنوات. ولكي يكون على مقاسه، اشتغلت ماكينة البروباغندا الإعلامية لتحوِّلَه إلى بطل حرب 1973.
كان الانتقال الموالي للسلطة في 2011، ومن الطبيعي أن جميع من يأتون بعده سيلتقطون هذه المرجعية الجديدة، لكننا نجد أن نظام عبد الفتاح السيسي يعود بقوة إلى الاحتفال بـ 6 أكتوبر، رغم أن "حرب أكتوبر" لم يعد لها تأثير مرجعي كبير في الداخل المصري ولا في سياق المنطقة، فقد جاءت أحداث كثيرة مؤثرة بعدها، من "حرب الخليج" إلى "الربيع العربي".
قبل أسابيع معدودة، ضخّم النظام حفر تفريعة جديدة في قناة السويس. اليوم، يعمل على تضخيم "العلاقة" بين النظام الحالي ونصر 6 أكتوبر. وكأنه يؤكد بأن شرعيته مستمدة ممّا قبل 25 يناير، من خرّانات الشرعية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
هكذا، يريد النظام أن ينفع نفسه فيضرّها، أو يريد الحاكم أن يأتي بلبوس الشرعية فيعرّي نفسه. مرحباً بكم في الاستعراض: الأجساد متراصّة في نظام دقيق في الصف، تستمع دبك الأحذية، المشية العسكرية جاهزة للتنفيذ: إلى الوراء سر..
أقرأ أيضاً: ثقافة مصر والاحتفال بـ "الإنجازات"