اتفاق ميونيخ السوري بعيون المعارضة: الحكم للأفعال

13 فبراير 2016
لافروف أكد مواصلة الغارات الروسية بذريعة محاربة "داعش" و"النصرة"(Getty)
+ الخط -


جاءت التفاهمات التي توصّلت إليها مجموعة الدعم الدولية لسورية، في ميونيخ مساء الخميس، تحت شعار "وقف إطلاق النار" في سورية عبر العمل من أجل تكريس "وقف الأعمال العدائية"، عبارة عن أفخاخ في طريق المعارضة السورية، التي رحّبت بحذر بالاتفاق، ليبقى التطبيق على الأرض الاختبار الحقيقي لهذا الاتفاق. ولا يمكن فصل الاتفاق عن الأجواء السياسية والتطورات الميدانية التي سبقته وصبّت في جزء رئيسي منها لصالح النظام السوري بدعم من روسيا وموافقة أميركية، إذ إنه يأتي بعد نحو أسبوعين من توقف الجولة الأخيرة من محادثات جنيف، وقبل نحو 10 أيام من إعادة استئنافها في 25 الحالي كما هو مقرر. إلا أن الاتفاق لم يُزِل الضبابية أمام هذه المحادثات التي لا تزال خطط استئنافها "غائمة"، وفق تعبير مسؤول أممي.

ونصّ الاتفاق على وقف الاشتباكات في مختلف المناطق السورية خلال أسبوع، إلا أنه أقرّ أيضاً الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، و"جبهة النصرة"، والتنظيمات المصنفة في قائمة "الإرهاب" لدى مجلس الأمن، وهو ما أثار مخاوف من استغلال الروس والنظام السوري لهذه الفقرة لاستمرار حربهم ضد المعارضة السورية. وهذا الأمر بدا واضحاً في تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مواصلة بلاده عملياتها في سورية، قائلاً "إن هذا الاتفاق لا يشمل المنظمات الإرهابية التي صنفها مجلس الأمن الدولي، مثل داعش وجبهة النصرة، لذا فإن مقاتلاتنا ستواصل غاراتها ضد هذه المنظمات".

كما جاء كلام رئيس النظام السوري بشار الأسد متناسقاً مع الكلام الروسي في هذا السياق، إذ أكد في حديث لوكالة "فرانس برس"، أمس الجمعة، أن التفاوض "لا يعني التوقف عن مكافحة الإرهاب"، معتبراً أنهما مساران منفصلان. وأشار إلى أنه "لا بد من مسارين في سورية، أولاً التفاوض وثانياً ضرب الإرهابيين، والمسار الأول منفصل عن المسار الثاني". كما أشار إلى أن استعادة الأراضي السورية هي هدفه، "ولكن ذلك قد يتطلب وقتاً طويلاً"، على حد قوله، في إشارة واضحة إلى أن المعارك ضد فصائل المعارضة لن تتوقف، بما أنها تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد.

هذه الأجواء أظهرت أن اتفاق ميونيخ جاء ليترجم التراجع الأميركي والغربي أمام المخططات الروسية في سورية، ويعطي النظام وقتاً إضافياً جديداً لقضم مزيد من مناطق المعارضة، فيما يمنع المعارضة من أي رد فعل، وهو الأمر الذي يعطي شرعية دولية لروسيا لتنفيذ مخططها في سورية بإنتاج حل سياسي يعيد هيكلة النظام القائم، خصوصاً أن البيان التوضيحي عن القرار، الذي صدر عن الخارجية الأميركية، أشار إلى تشكيل المجموعة الدولية "فرقة عمل لوقف إطلاق النار" في إطار وقف الاشتباكات، برعاية الأمم المتحدة وقيادة مشتركة من قبل روسيا والولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يفتح باباً للتساؤلات عن كيفية مساهمة الروس كطرف محايد في مشكلة هم طرف رئيسي فيها، وهم من صعّدوا الوضع الميداني بشكل غير مسبوق بالتزامن مع مفاوضات جنيف الماضية.

اقرأ أيضاً: سورية:كشف تفاصيل اتفاق ميونيخ لوقف المعارك واستثناء الغارات

ضمن هذه الأجواء، بدت المعارضة متحفظة على الاتفاق، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمعارضة السورية، سالم المسلط، في تصريح للصحافيين، أمس الجمعة، "إننا نحب رؤية تأثير للاتفاق على أرض الواقع قبل الانضمام إلى المحادثات السياسية في سويسرا"، مشدداً على أن المعارضة لن تذهب إلى جنيف إلا إذا تحقق اتفاق ميونيخ على الأرض، لأنها تريد أفعالاً وليس أقوالاً. ورحب المسلط في الوقت نفسه بالجهود التي يقوم بها أصدقاء سورية لمساعدة الشعب السوري، داعياً إلى أن تشمل تلك الجهود كل الشعب.

من جهته، أكد عضو الهيئة العليا للمفاوضات، جورج صبرا، في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، أمس الجمعة، أن الفصائل المقاتلة هي التي ستتخذ القرار النهائي بشأن اتفاق القوى الكبرى في ميونيخ على وقف الأعمال العدائية في سورية، موضحاً أن "مشروع إجراء هدنة مؤقتة من أجل وقف الأعمال العدائية سيُدرس مع الفصائل المقاتلة على الأرض". وأكد أن الفصائل المقاتلة "هي من سيقرر تطبيق هذه الهدنة".

ويدلّ ترحيب المعارضة السورية المشروط بالاتفاق، على أن المعارضة تحاول الهروب من الفخ الروسي الذي يدفعها دائماً للظهور بمظهر الخارج عن الإرادة الدولية، وفي الوقت ذاته تحاول الهيئة العليا للتفاوض أن ترمي الكرة بملعب الروس من خلال ربط موافقتها بمدى التطبيق العملي على الأرض لهذا الاتفاق، وربط موافقتها بموافقة الفصائل الفاعلة على الأرض وتقييمها لفقرة وقف الأعمال العدائية والتي لا تعني وقفاً لإطلاق النار.

وكان لافتاً في السياق إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه "لا يمكن تحقيق وقف الاشتباكات، ووقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل فعّال، في حال استمرار الغارات الروسية في سورية".

ولفت جاويش أوغلو، في تصريحات للصحافيين أمس الجمعة، إلى ضرورة الاستمرار في مكافحة التنظيمات الإرهابية في سورية، كتنظيم "داعش"، و"جبهة النصرة"، مضيفاً أن "كلا التنظيمين إرهابي، ولكن روسيا استهدفت حتى اليوم، المعارضة السورية بشكل أكبر، بدعوى مكافحة الإرهاب، ووجّهت 88 في المائة من هجماتها ضد المعارضة".

أما وزير الخارجية الفرنسي الجديد، جان مارك إيرولت، فأعلن أن بلاده ستحكم على الاتفاق من خلال "أفعال" كل طرف. ولفت إلى أن "نتائج اجتماعات ميونيخ مشجعة، وسنتابع ما سيحدث وسنحكم على أفعال كل طرف"، وذلك خلال تسلّم مهامه من سلفه لوران فابيوس. كما اتهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، روسيا بتقويض جهود التوصل لحل سلمي للصراع في سورية باستهداف جماعات المعارضة بدلاً من متشددي "داعش"، مبيناً في تصريح له، أمس، أنه لا يمكن تحقيق سلام دائم دون وقف هذا الأمر.

وفي ما يتعلق بالجانب الإنساني في الاتفاق، قال رئيس مجلس اللاجئين النرويجي يان إيغلاند، الذي رأس اجتماعاً للأمم المتحدة بخصوص توصيل المساعدات لسورية، إن اتفاق القوى الكبرى في ميونيخ قد يحدث انفراجة إذا ما مورست ضغوط على الأطراف المتحاربة.

إزاء هذه التطورات، تتصاعد فرص التدخّل السعودي في سورية، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الذي توقّع أن تساهم السعودية والإمارات بقوات خاصة لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية في معركتهم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وقال كارتر بعد محادثات في بروكسل "سنحاول أن نتيح الفرص والقوة وبخاصة للعرب السنّة في سورية الذين يريدون استعادة أراضيهم من داعش، لا سيما الرقة". وأضاف كارتر، الذي التقى مسؤولين إماراتيين، أمس، أن الإمارات تعهدت أيضاً باستئناف مشاركتها في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم المتشدد. كما تلقى تأكيداً مماثلاً من السعودية، أمس الخميس. وبدا أن هذا الأمر استنفر النظام السوري، الذي أعلن عبر الأسد أنه سيواجه هذا التدخّل، معتبراً أن التدخل السعودي والتركي لا يمكن استبعاده، لكنه حذر أن "مثل هذه العملية لن تكون سهلة بالنسبة لهم بكل تأكيد، وبكل تأكيد سنواجهها".

اقرأ أيضاً: "الجيش الحر": اتفاق ميونيخ يحمل فخاً