اتفاق أوسلو بعيون راعيه: الاستيطان أحبط الوسيط الأميركي

14 سبتمبر 2014
تعثر السلام بسبب استمرار الاستيطان (سعيد القاق/الأناضول/Getty)
+ الخط -
لا يعتبر الدبلوماسيون الأميركيون، الذين شاركوا في مراحل معينة من حياتهم المهنيّة في جهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أنّ اجتماعات أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993 تمخّض عنها اتفاق، بل ينظرون إليه على أنه إطار عمل لم يلتزم به الجانبان، في حين أن العقبة الكبرى، والأكثر إزعاجاً للوسيط الأميركي، هي استئناف إسرائيل عمليّة بناء المستوطنات.

يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، رفض الكشف عن اسمه أو الدائرة التي يعمل فيها، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أكثر قضيّة أحبطت الدبلوماسيّة الأميركيّة، وتسبّبت بتعثّر عمليّة السلام هي استمرار الاستيطان الإسرائيلي".

ويضيف: "كانت آمالنا كبيرة في إمكانيّة استئناف مفاوضات السلام، والتوصّل إلى حلول نهائيّة لقضايا شائكة، وكنا نظنّ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لن يقلّ شجاعة عن مناحيم بيغن، الذي كان العالم ينظر إليه على أنه متشدّد، ولن يقبل بالتوقيع على معاهدة سلام ولكنه فعلها، وما زالت المعاهدة قائمة مع مصر".

ويرى المصدر أنّ "ما جرى مع الفلسطينيين في أوسلو، وما قبل أوسلو، وما بعدها، يمكن اعتباره أطر عمل وليس اتفاقات بالمعنى الصحيح، لأنّ أي طرف لم يلتزم حرفياً بما توجّب عليه الالتزام به، ولم يترتّب على عدم الالتزام أيةّ تبعات".

وينفي الدبلوماسي الأميركي وصول الإحباط الأميركي من استمرار الاستيطان، ومن نتنياهو، إلى درجة التخلي عن الملف برمّته. ويوضح في هذا الصدد: "لم أقصد بكلامي الحديث عن أشخاص، إنّما عن قضايا، وإحباطنا ناتج عن استمرار بناء المستوطنات وليس من نتنياهو"، ملاحظاً أنّ "هذا الأمر لم يحدث في عهد نتنياهو فقط، وانما في جميع العهود". ويضيف: "لا أستطيع أن أبرئ الطرف الآخر من إعاقة عمليّة السلام".

ويتابع المصدر ذاته قائلاً: "حديثنا بدأ في أوسلو، ونحن نعتقد أن حركة حماس أيضاً مشكلة، لكنّها لم تكن طرفاً في عمليّة أوسلو، ولهذا لم نقل إنّها تراجعت عن تعهدّاتها، أما وقف الاستيطان فهو منصوص عليه في كل أطر العمل، وظل عدم الالتزام به يسبّب صداعاً لوزراء الخارجية في واشنطن، منذ أيام مادلين أولبرايت حتى الآن".

وفي ما يتعلّق بأداء الجانب الفلسطيني، يعرب المسؤول الأميركي عن اعتقاده ، من وجهة نظر شخصيّة، بأنّ "المشكلة الأكبر أنهم (الفلسطينيين) لا يتعاملون مع قضيتهم كمشكلة سياسيّة، إنّما يتعاملون معها كقضيّة عاطفيّة ورمزيّة، مما يجعل المفاوض الفلسطيني يخاف من المنتظرين في الخارج، أكثر مما يخاف من حجج الطرف الموجود أمامه".

ويشدّد، في سياق متّصل، على أنّ "التزام الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجيّة، جون كيري، ببذل الجهود من أجل التوصّل إلى سلام نهائي للنزاع، يقوم على حلّ دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، بناء على أطر العمل الموقّع عليها سابقاً، ولن نتخلى عن واجبنا تجاه الطرفين".

المستوطنات مقابل الجنايات

وفي سياق حديثه، يكشف الدبلوماسي الأميركي، الذي أمضى أكثر من 35 عاماً في العمل الدبلوماسي، عن "خشية إسرائيليّة أميركيّة من أن ينجح الفلسطينيون في الذهاب إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة".ويتابع: "صحيح أنّ رغبة حكومة إسرائيل، في تفادي محكمة الجنايات، ساعدت سابقاً في إقناعهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكنّ توقيع الفلسطينيين على معاهدة روما، ربّما يؤدي إلى تعقيد المشكلة مستقبلاً، وقد تصل مخاوف شركائهم الإسرائيليين إلى مرحلة عدم التراجع". ويعتبر أنّ "هذه النقطة لا تقلّ خطورة عن النشاط الاستيطاني لإعاقة المفاوضات مستقبلاً، إذا ما وافق الطرفان على استئنافها".

ويؤكد المصدر ذاته أنّ "استعادة الثقة تتطلّب من الطرف الإسرائيلي وقف النشاط الاستيطاني تماماً، ومن الطرف الفلسطيني وقف التلويح بالمحكمة الجنائية الدوليّة، التي يصعب تدخّلها أصلاً، ما لم يوقّع أحد الطرفين على المعاهدات الخاصة بإنشائها". ويكرر، مرة أخرى، الموقف الأميركي الرسمي من استمرار بناء المستوطنات، بقوله: "نعتبرها غير شرعيّة، وقد واصلنا حثّ الطرفين على اتخاذ الخطوات التي يمكنها أن تخلق بيئة إيجابيّة للمفاوضات، وأبلغنا إسرائيل باعتقادنا بأنّ استئناف النشاط الاستيطاني، لا يخلق بيئة إيجابيّة، بل على العكس من ذلك، يتسبّب بفقدان الثقة، لا لدى الطرف الآخر فقط، إنما لدى الوسطاء أنفسهم".

ويبدو واضحاً حرص المسؤول الأميركي على تكرار التوضيح بأن الولايات المتحدة لا تعتبر أنّ النشاط الاستيطاني فقط خلق ويخلق بيئة سلبيّة من التوجّس وعدم الثقة، بل هناك أنشطة عنفيّة، على حدّ قوله، يقوم بها الفلسطينيون من دون أن يفصح عن ماهيتها.

المساهمون