ابتزاز الغزّيين على معبر رفح

06 سبتمبر 2019
+ الخط -
كأن بلاء الحصار والاحتلال لا يكفي أهل قطاع غزة، ولا تكفيهم المعاناة اليومية مع شحّ الماء والكهرباء والوقود، أو لا تكفيهم معاناة نقص الدواء والعلاج، حتى يقعوا ضحية جشع سماسرة معبر رفح الذين اغتنوا من ابتزاز الغزّيين المحتاجين لمغادرة القطاع، لا للسياحة والسفر والترفيه، وإنما لدواعي الضرورات المُلِحّة، من قبيل العلاج والدراسة والعمل. 
أخبرني غزّيون عن معاناةٍ لا تُطاق، طوّقوا بها، عند عزمهم على مغادرة القطاع عبر معبر رفح، البوابة الوحيدة المؤدّية إلى العالم الخارجي. حدّثني أكاديمي عن سعادته بتلقي عرض عمل في دولة عربية، ثم حكى لي بغصّة عميقة عن معاناته من أجل تحصيل تصريح خروج. وتصريح الخروج هذا يعني موافقة أجهزة حركة حماس، بوصفها السلطة التنفيذية في القطاع وصاحبة السيادة على الجانب الفلسطيني من المعبر، على إدراج أسماء الراغبين في السفر ضمن قوائم تسلم للجانب المصري، بوصفه صاحب السيادة على الجهة الأخرى من المعبر. قال محدّثي إن خروجه من القطاع تطلب تقديم طلب لأجهزة "حماس"، والانتظار أكثر من أربعة أشهر تخللها توسيط شخصيات نافذة في الحركة مع كثير من الولائم وتقبيل اللِحى. أما معاناة الطالب فلا تُوصف، وهو يرى في معبر رفح بوابة نحو المستقبل أو حاجزاً يُغرقه في واقع الحصار والحرمان إلى الأبد. يقول طالبٌ غزيّ خرج بعد دفع رشى فاقت الخمسة آلاف دولار إن عائلته اضطرّت للاستدانة من الأقارب والجيران، لتدبير المبلغ الهائل الذي طلبه الوسيط لضمان إدراج اسم الطالب في القائمة التي ترفعها "حماس" إلى الجانب المصري. حاولت الاستفسار أكثر عن هذا الألم المسكوت عنه، والمُصاب الذي يعاني منه أهالي قطاع غزة بصمت، فروى لي صديقٌ أن عائلته سافرت قبل شهرين لقضاء إجازة الصيف مع أهله في القطاع، وقد كلفته رحلة العائلة أموالا كثيرة ما بين تذاكر سفر وترتيبات انتقالٍ آمن من مطار القاهرة إلى مدينة العريش المصرية عبر كوبري السلام وعشرات الحواجز الأمنية المصرية المنتشرة على امتداد صحراء سيناء. ثم وقعت المصيبة عندما انتهت الإجازة، وحان موعد العودة من القطاع، إذ تطلب الأمر دفع رشى بآلاف الدولارات حتى كتابة هذه السطور، فالعائلة لا تزال عالقة في القطاع على أمل الخروج عندما يُكمل المنسق أو السمسار الترتيبات مع الجهات الأمنية في الجانبين، الحمساوي والمصري.
قصص كثيرة مؤلمة ومحزنة، سمعتها خلال الاستقصاء عما يجري على جانبي معبر رفح، شريان الحياة لقطاع غزة، وباب الفرج لأهله المحاصرين من كل صوب. أخطر ما سمعته أن التكاليف الباهظة للخروج من القطاع عبر معبر رفح دفعت غزّيين، سيما المرضى منهم، إلى البحث عن علاج في المستشفيات الإسرائيلية، أو طلب تنسيق للعبور إلى مشافي الضفة الغربية، ما يعني طلب تصريح من الجهات الأمنية الإسرائيلية، وهنا يتعرّض الغزّيون لابتزازٍ من نوع آخر، من قبيل الإجبار على التعاون مع المخابرات الإسرائيلية مقابل تصريح المرور إلى الضفة الغربية أو السماح بالعلاج في المستشفيات الإسرائيلية. أخبرتني سيدةٌ غزّية أن السلطات الإسرائيلية وافقت على دخول أمها المريضة للعلاج في مستشفى هداسا في القدس، مع عدم ممانعة لشقيقها لمرافقة والدته، ولكن ما حدث أن السلطات الإسرائيلية اعتقلت الشاب المرافق لأمه، وعادت الأم إلى القطاع تاركة خلفها فلذة كبدها الذي حُكم عليه بالسجن خمسة عشرة عاماً بتهمة الانتماء لتنظيمات معادية لإسرائيل.
للابتزاز الذي يتعرّض له الغزّيون على معبر رفح، وجوهٌ عدّة، كلها بشعة ولا إنسانية، تحتاج إلى كشف ومكاشفة. على حركة حماس، السلطة المسؤولة عن قطاع غزة، المسارعة في وضع حد لفساد بعض عناصرها ممن يتاجرون بمعاناة الناس. ومن غير المقبول تعويض إيرادات الأنفاق التي أغلقها نظام مصر بفتح أنفاق في جيوب الغزيين. وعلى حركة حماس كذلك فتح الموضوع بكل جرأة مع سلطات القاهرة، لأن قهر هوامير معبر رفح الغزّيين فاق ظُلم الاحتلال وحصاره.
دلالات
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.