يُعتبر مجلس خبراء القيادة في إيران منذ تشكيله عام 1982، من أهم المؤسّسات في البلاد، إذ يُشرف مباشرة على منصب المرشد الأعلى المتربّع على رأس هرم النظام السياسي الإيراني. ويضطلع أعضاؤه، من رجال الدين الستة والثمانين والمنتخبين عبر صناديق الاقتراع، بمهمّة الإشراف على أداء المرشد لمهامه الدينيّة والسياسيّة على حد سواء، وتقييمها وانتقادها إن لزم الأمر، بل ويستطيع أعضاؤه عزل المرشد وتعيينه وفق الدستور الإيراني.
وبوفاة رئيس المجلس محمد رضا مهدوي كني، يتوجّب على أعضاء المجلس اختيار رئيس جديد لهم في أول جلسة تُعقد، ويحقّ لكل عضو من أعضاء المجلس ترشيح نفسه لهذا المنصب، على أن يجري التصويت بعد إقرار صلاحية المرشحين، ويفوز بالرئاسة من يحظى بغالبية أصوات الأعضاء المتبقين.
وينبغي على أعضاء مجلس خبراء القيادة أن يتمتعوا بالعلم وبالقدرة على الاجتهاد، وأن يكونوا مؤمنين بولاية الفقيه ولا يخرجون عن النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة، من دون أن يخضعوا لشروط العمر والسنّ. ويقول عدد من أعضاء في هذا السياق إنّه "كلما كبر الواحد منهم كلما زاد علمه في الدين والدنيا".
وحظي مهدوي كني بتأييد كلّ الأقطاب المحافظة والإصلاحيّة والمعتدلة، واستطاع أن ينال تأييد غالبية أعضاء المجلس عام 2011، بعد أن سحب أكبر هاشمي رفسنجاني ترشّحه لهذا المنصب في العام ذاته لصالح كني. وكان ذلك كفيلاً بإنهاء صراع متوقّع، ولا سيّما أنّ البلاد كانت قد نهضت حديثاً من بلبلة احتجاجات عام 2009، والتي أعقبت الانتخابات الرئاسيّة إثر تشكيك أنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، بنزاهة الاقتراع الذي مدّد للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لدورة رئاسيّة ثانية.
وعلى الرغم من أنّ أعضاء المجلس لم يتغيروا كثيراً منذ الانتخابات الأخيرة لأعضائه عام 2007، لكنّه لا إجماع كبير وقاطع اليوم على شخص من دون سواه، لخلافة مهدوي كني، وهو ما سيفتح صراعاً جديداً في المجلس، الذي يشكّله المحافظون والمعتدلون في وقت يغيب عنه الإصلاحيون، أي المنتمون لتيار الإصلاح الحقيقي، الذي يمثله الرئيس السابق محمد خاتمي، باعتبار أنّ الإصلاح الذي يمثله بعض المعتدلين ممثّل في المجلس من خلال خبراء يشكّلون الحلقة الداعمة لرفسنجاني، الذي لا يزال بدوره عضواً في المجلس.
ومن المتوقّع أن يحتلّ الاعداد لانتخابات العام المقبل صدارة أولويات كلّ التيارات، والأفضل بالنسبة للجميع هو اختيار شخصيّة قويّة تدير المجلس خلال السنوات الثماني المقبلة وليس فقط لعام واحد، أيّ حتى موعد إجراء الانتخابات الدوريّة للأعضاء الجدد. وعلى هذه الشخصيّة بالتالي أن تكون قادرة على إمساك الدفّة بقوّة بدلاً من إدخال البلاد في معادلة تنافس دائم، وهو ما يدركه المتشددون والمعتدلون والإصلاحيون على حدّ سواء، وسيحاول كل طرف بالتالي جرّ المعادلة لجهته في اختيار خليفة كني.
وترجّح التوقّعات أن يخلف كني، نائبه المحافظ هاشمي شاهرودي، الذي تولّى شؤون مجلس الخبراء طيلة فترة مرضه وتغيّبه خلال الأشهر الأربعة الماضية، ومن المتوقّع أن ينال غالبية الأصوات بحال ترشّحه كونه يتمتّع بالرتبة الدينيّة المطلوبة، إذ إنّه حائز على لقب آية الله العظمى، ولديه خبرة القيادة السياسية أيضاً. ولا يستبعد بعضهم أيضاً، ترشّح النائب الثاني محمد يزدي، على الرغم من أنّه لا يحظى بالتأييد الذي يناله شاهرودي. ويذهب آخرون إلى توقّع ترشّح هاشمي بهرماني.
وبدأ الاصلاحيون مؤخراً محاولة توحيد صفوفهم للعودة بقوة في الانتخابات التشريعيّة، العام المقبل، علّهم يحظون بمقاعد أكثر في البرلمان، ولا يغيب عن بالهم التخطيط لانتخابات مجلس الخبراء العام المقبل أيضاً، فهم يستطيعون طرح مرشّحيهم من رجال الدين، علّهم يعودون إلى تلك الساحة أيضاً. وينظر الإصلاحيون إلى انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة في هذه المرحلة، كخطوة مقدمة سلفاً لنيل أصوات أكثر من قبل الإيرانيين الذين سيتوجّهون إلى صناديق الاقتراع.
وفي هذه الحالة، سيكون رئيس مجمّع تشخيص مصلحة النظام وعضو مجلس الخبراء أكبر هاشمي رفسنجاني، الخيار الأول لهم وللمعتدلين جميعاً، وهو خيار قوي قد يكفل الإطاحة بشاهرودي، لكنّ ذلك يبقى مشروطاً بأن يُطلب من رفسنجاني الترشّح، ليقرّر بعدها إلى هذا المنصب. وكانت صحيفة "اعتماد الإصلاحيّة"، أوردت في وقت سابق هذا الاحتمال، بل وركزت على تصريحات للمحافظ أحمد خاتمي، لم يستبعد فيها عودة رفسنجاني إلى كرسي رئاسة مجلس الخبراء، لكنّه أكد في الوقت ذاته، أنّه بهذه الحالة سيكون هناك منافسون لرفسنجاني من المتشددين، وهم من سيرشّحون أنفسهم بالتأكيد لهذا المنصب، وهم أساساً من منتقدي حكومة روحاني ويقفون للمعتدلين بالمرصاد.
ويبدو أنّ مجلس خبراء القيادة، والذي تناوب على رئاسته ثلاثة رؤساء منذ تأسيسه هم علي مشكيني، ورفسنجاني ومهدوي كني، سيكون أمام صراع جديد قد يعيد ترتيب الأوراق، في وقت لن تكون فيه مهمّة الرئيس المقبل سهلة، بل حسّاسة للغاية، في وقت تكثر فيه التجاذبات بغياب إجماع قوي على شخصيّة واحدة.
وعلى الرغم من وجود جدل حول رفسنجاني، الذي يُعدّ عماداً تلتفّ حوله كلّ التيارات، لكن مع تسلّم روحاني زمام الأمور، عاد أبوه الروحي رفسنجاني إلى الساحة من جديد وبقوة، وهو ما قد يخيف شاهرودي والمتشددين، إلا في حال قرر الإيرانيون انتقاء شخصيّة وسطيّة، وهذا غير مستبعد في السياسة الإيرانيّة، بهدف الحفاظ على الداخل. وليس مستبعداً أن تقرّر التيّارات السياسيّة كافة تأجيل التنافس الضاري إلى استحقاقات مقبلة، سواء في انتخابات مجلس الشورى أو في انتخابات مجلس خبراء القيادة.