إيران تعتمد على "الاقتصاد المقاوم" رغم الاتفاق النووي

29 مارس 2016
إيران تسعى إلى تعزيز قدراتها المحلية (Getty)
+ الخط -
لم تتخلَ إيران عن خططها الاقتصادية الهادفة إلى الاعتماد على الإمكانيات المحلية، رغم مساعيها لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية بعد بدء تطبيق رفع الحظر عنها، في يناير/كانون الثاني الماضي، عقب التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب.
وفي هذا السياق، أكد محللون لـ"العربي الجديد"، أن إيران ستستمر في رفع قدراتها الإنتاجية بجميع القطاعات، كما ستواصل الاعتماد على ذراع الحرس الثوري والأجهزة الأمنية التي تتولى إنشاء مشروعات استراتيجية، ومنها الطرق والجسور والكباري.
ومنذ اليوم الأول من العام الإيراني الجديد، الذي بدأ في 20 مارس/آذار الجاري، خرج المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، ليرفع شعار "الاقتصاد المقاوم بين التخطيط والعمل"، ليكون شعار العام الجديد، وركز في تصريحاته على ضرورة تخطي مشكلات اقتصاد الداخل، بالاعتماد على القدرات والإمكانيات الاقتصادية المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من جهة، ولرفع مستوى الإنتاج من جهة ثانية، ما سيجعل البلاد محصنة وقادرة على الوقوف في وجه أي تهديدات قد تعترضها مستقبلا، حسب رأيه.
كان لهذه التصريحات وقعها الكبير في البلاد، حيث بدأ المسؤولون من الساسة والعسكر بتحليل ما طلبه المرشد، والتأكيد عليه، كما فتحت تصريحاته الباب للبعض لتوجيه الانتقادات للحكومة المعتدلة التي يترأسها حسن روحاني، وهي الحكومة الداعية إلى الانفتاح وتوطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الآخرين، خاصة الغرب.
خامنئي رأى في رسالته المصورة التي بثها التلفزيون المحلي الإيراني بمناسبة العام الجديد أن الحكومة قدمت برنامجا جيدا، لكنه دعا إلى تنفيذ خططها بشكل واضح وعملي، متوقعا ألا تحل كل المشكلات التي تعانيها بلاده خلال العام الجاري، لكنه اعتبر أن إعطاء الأولوية للاقتصاد المحلي يعني حلحلة مشاكل أخرى اجتماعية وثقافية.
وفي هذا الإطار، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة شهيد بهشتي الإيرانية، سعيد ليلاز، لـ"العربي الجديد"، إن مفهوم الاقتصاد المقاوم الذي طرحه المرشد يتوافق مع المبادئ الأصلية للثورة الإسلامية التي قامت عام 1979، والتي رفعت شعار "لا شرقية ولا غربية، بل جمهورية إسلامية"، معتبرا أن الاقتصاد المقاوم يطابق هذا الشعار، حيث يطلب المرشد ألا تعتمد بلاده على أحد، وإنما على إمكانياتها الذاتية، معتبرا أن هذا ضروري، ولا سيما بعد تجربة العقوبات التي تسبب بها النووي.
وأكد ليلاز، أن العقوبات لم تلغ بالكامل حتى اللحظة، والداخل الإيراني لم يذق حلاوة نتائج الاتفاق عمليا بعد، قائلا إن السبب يتعلق بارتباط مشكلات الاقتصاد بخطط الحكومة وسياساتها الاقتصادية غير الفاعلة، لا بالحظر الغربي وحده، وأكد بالتالي أهمية إجراء خطة الاقتصاد المقاوم، لكنه رأى أنها لن تكون كافية وحدها.
ورأى ليلاز، أن المرشد لا يقصد أن يتجه اقتصاد البلاد نحو العزلة والانزواء، وإنما يعني تقوية وتدعيم اقتصاد الداخل لمواجهة المتغيرات القادمة، داعيا الحكومة إلى التخطيط بشكل أفضل لرفع مستوى النمو الاقتصادي.
على جانب آخر، وبعيدا عن الساسة والاقتصاديين، كان من الملفت تصريحات بعض المسؤولين العسكريين الأخيرة التي دعت الحكومة أيضا إلى تطبيق الاقتصاد المقاوم، بل وعرضت عليها تقديم المساعدة والدعم لتحقيق الخطة.
ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية، مسعود جزائري، قوله إن القوات المسلحة جاهزة لمساعدة الحكومة في مهمة بناء الاقتصاد المقاوم، معتبرا أن مقترح المرشد سيفتح الباب واسعا أمام اقتصاد إيراني متطور.

وأضاف جزائري، في تصريحاته الصادرة أمس الأول، أنه من الضروري الابتعاد عن إلقاء الشعارات، معتبراً أن تسليط الضوء على العقوبات وتبعات إلغائها لن يأتي بنتيجة، داعياً إلى التنبه لمخططات أعداء البلاد، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، كما ذكر أن القوات المسلحة استطاعت من خلال تجربتها في السنوات الماضية أن تحقق الاكتفاء الذاتي، وتجربة صناعة الصواريخ تبرهن الأمر، قائلا إنه من الممكن وضع هذه التجربة بخدمة الحكومة لمساعدتها في تحقيق استقلالية إيران وعزتها أمام بقية دول العالم، حسب رأيه.
تصريحات جزائري هذه ليست الأولى من نوعها، فقد أصدر الرجل ذاته، في وقت سابق، ذات التصريحات، وأكد أن كل القوات بما فيها الحرس والبسيج (قوات التعبئة)، جاهزة لمساعدة الحكومة.
وفي رده على سؤال لـ"العربي الجديد"، عن ماهية المساعدات التي تستطيع المؤسسة العسكرية تقديمها اقتصاديا للحكومة، قال الخبير في الشؤون الاقتصادية الإيرانية، بهمن آرمان، إن لدى الجيش والحرس والبسيج وحتى الشرطة أيدي هامة ومؤثرة في البلاد، من الممكن الاستفادة منها إيجابا عندما يدور الحديث عن الاعتماد على قدرات وإمكانيات الداخل.
وأضاف آرمان، على سبيل المثال، أنه في زمن العقوبات الغربية، تسلم الحرس عبر شركات تعود له وتمتلك موازنات ضخمة مهمة إجراء مشاريع كبيرة من قبيل بناء السدود أو مد الجسور والطرقات الرئيسة في البلاد، كما لدى الشرطة والجيش شركات استثمارية، وبالتالي يستطيع هؤلاء تقديم الدعم المالي والمعنوي، ما يعني مساعدة الحكومة دون الاعتماد كليا على العلاقات مع الخارج، لكن آرمان اقترح مشاركة هذه الجهات عبر أسهم في البورصة، ما ينعكس إيجابا على إنعاشها، ويساعد على مراعاة الشفافية في تطبيق المشاريع.
لكن هذا الخبير اعتبر بذات الوقت، رغم كل هذه الإمكانيات، أن بناء الاقتصاد المقاوم يحتاج لمقومات ثانية تعتمد على إلغاء العقوبات الغربية، قائلا إن عدم تطبيق الاتفاق بشكله الصحيح، قد يعرقل هذه الخطة التحصينية الضرورية أيضا.
من جهته، قال رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، خلال اجتماع عقده، أمس الأول، مع الفاعلين الاقتصاديين في البلاد بمناسبة العام الجديد، إن الاقتصاد المقاوم يعني تقوية وتدعيم البنى التحتية لاقتصاد إيران، داعيا إلى رفع معدل الصادرات وخاصة الصناعات البتروكيماوية وتقليل الواردات، ورفع مستوى إنتاج البضائع التي يحتاجها الداخل، وعاد ونشر على صفحته الرسمية على موقع إنستغرام قائلا إن "المستقبل سيكون للحوار لا للصواريخ".
ورغم التقارب في وجهات النظر بين مؤسسة المرشد، والمحسوبين على الاعتدال، لكن بعض المنتقدين يتحدثون عن اختلاف آليات التطبيق، ونقلت وكالة أنباء فارس عن عضو الهيئة العلمية في جامعة إمام صادق حجت الله عبد الملكي، قوله إن عدم اقتناع الحكومة بمفهوم الاقتصاد المقاوم الحقيقي هو ما يتسبب بالمشكلات في البلاد.
وبعد تصريحات خامنئي، خرج الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عدة مرات، وأخرها أول أمس، ليقول إن حكومته ستعمل على تسريع تطبيق خطط الاقتصاد المقاوم من خلال الاستفادة من إمكانيات البلاد المحلية، فضلا عن الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي أعقبت التوصل للاتفاق النووي، معتبراً أن هذا كفيل بإبعاد اقتصاد إيران عن شبح الضغوطات والتهديدات، لكنه سيكفل استخدام رؤوس الأموال والاستثمار إيجابا، حسب التصريحات التي نقلتها عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.


اقرأ أيضا: مصارف العالم تخشى التعامل مع إيران بسبب الحرس الثوري
المساهمون