إياد البلعاوي.. الكتابة في ملجأ الحداثة الكلاسيكية

08 نوفمبر 2014
+ الخط -

في مجموعته الشعرية "البحر في شوارع المدينة" (دار الكوكب/ رياض الريس)، يحاور إياد البلعاوي (رفح 1983) الذاكرة الفلسطينية، كمن يحاور شاطئاً مكسوراً وقف على حوافه عشرات الشعراء قبله. يتحرك داخل موضوعات ثابتة في الأدب الفلسطيني، هي عبارة عن ثوابت سياسية وفلسفية قديمة لم نستطع الخروج منها بعد في منطقتنا: المرأة والبلاد المتملّصة من أي تفسير أو تحديد.

يكتب البلعاوي قصيدته منطلقاً من اهتماماته بالأرض، المرأة، الذات، ومن أحكام عاطفية وفلسفية عامة. لا يفلت من ملامح محمود درويش في قصيدته التي تذكّر إلى حد ما بالمقاربات الأولى لقصائد الستينيات، والقراءات "النظيفة" للأرض الإشكالية، وعلاقة الإنسان الفلسطيني بصورته الرومنطيقية والهشة، عبرها. كما لا يملك الكلمة الفصل في إدارة المفردة الشعرية وتوجيه الاستعارات، بل يترك المجال للتأثيرات الشعرية الكامنة في ذاكرته أو ذاكرة الشعر الحديث، كي توجّه دفّة صوته.

ليس بالضرورة أن يشكّل التزامه هذا، واتصاله بأصوات شعراء آخرين، موضوع إدانة. فالاحتكاك بالمخزون الشعري، ومحاولة إضافة الجديد عليه، همٌّ بارز لديه. وعلى هذا، فإن البلعاوي لا يدرج نفسه ضمن الشعراء المجرّبين، أو الساعين إلى التجريب، رغم اندراج بعض الجمل في قصائده ضمن رؤى تجديدية لافتة للعبارة. جمل يبدأ فيها قصيدته لكنه لا يتمكّن من استتباعها بمثيلات في مناخها، فينحرف نصه مجدداً نحو ملجأ الحداثة الكلاسيكية، ما يؤدي إلى نص لا تصلح فيه صفة الحذاقة بقدر ما تصلح صفة التماسك.

بدايات ذكية، مثل "هواء يتحرش بالغيوم"، "في حياتي سيدتان/ وثالثة على الطريق"، "كي يغسل روحه من موتها/ وضعها مرة في جيبه"؛ تأتي منفصلة عن باقي جسم النص. كما لو أنها تستدعي اقتطاعها والاكتفاء بالـ"دهشة" التي تصنعها.

مقابل ذلك، فإن السمة الأبرز في شعره هي إتقانه صناعة القصيدة، والإمساك بإيقاعها ومناورته، وبالتالي الإعلاء من الجماليات الفنية فيها. صناعة متقنة لا تخفى أناقتها، وتشبه أرضية يستفيد منها البلعاوي في التشديد على خياراته الشعرية وأسلوبه.

إنه انضواء تحت اعتبارات وجودية صلبة، تؤرق الشاعر، وتستدعي بحثاً شعرياً في الطفولة والجذور الأولى للذات. لكن الوعي العاطفي والوعي السياسي يغلبان على وعي استيلاد قصيدة جديدة أو البحث عن صوت خاص بالبلعاوي. وحرية الأخير الشعرية تتمثل في التمسك بعبارة قوية، تصب في عظم اللغة بدلاً من مشاكستها.

لكن العلاقة مع الأرض شخصية. تبدأ من رموز واضحة، كالقلب، ثم تستحضر الطبيعة والمكان والحاضر الفلسطيني بتعقيداته الاجتماعية، حتى وإن أدى ذلك إلى تنازل القصيدة لصالح عبارة سياسية مُعادة، لكن مدوِّية كالـ"نصر".

مع ذلك، تعكس مجموعة البلعاوي تمرّس شاعر شاب في اللغة والعبارة، كما في قصيدته "أمنية" التي يكتب فيها: "وأنا أحاول أن أزيل بعض العالقين في ذاكرتي/ أقول: ليت ذاكرتي سجادة/ تطوى وترمى/ وتنفض بالعصا".

المساهمون