إليسا وعينة: ولادة قرطاج

11 اغسطس 2015
عينة يقص على إليسا مأساة طروادة،بيير نارسيس غيران،متحف اللوفر
+ الخط -
لولادة قرطاج، تلك المدينة التونسية ذات التضاريس المروّسة صوب الأبيض المتوسط، حكايةٌ يختلط التاريخ فيها بالأسطورة مجازًا. إذ كثيرة هي الدراسات التي برهنت أن "أسطورة" ولادة المدينة، حقيقة تاريخية. إلا أن الجمال في "الأسطورة"، وذاك الإبهار الناجم عن رحلة أميرة فينيقية من صور الواقعة في الزاوية اليمنى للبحر المتوسطي، صوب "أنف المنقار" لتأسيس مدينة جديدة، يكفلان على ما يبدو ارتفاع الحقيقة التاريخية إلى مصاف خُلبيّة الأساطير.
للمرء هنا، تخيّل الأميرة إليسا، سليلة الحضارة الأرجوانية. على سفينتها تمخر عباب البحر وتبتعد عن مسكنها الأوّل في رحلة "أوديسية" العناصر. تصل الأميرة إلى هضبة، فالمدن الخالدة، تكون عالية في الواقع وفي الخيال. تختار مسكنها الجديد وتعطيه اسمًا، فتسمية أمر ما تعني امتلاكه. قالت الأميرة بفينيقيتها: "قَرْتْ حَدَشْتْ" أي المدينة الجديدة.
لتكتمل عناصر الحكاية، لا بدّ من حبّ. وكذا كان، لحق الأمير عينة بأليسا، وما كان ذلك ليمرّ من دون مبرّر قوي، فالحبّ يحتاج مأساة ما، قبل أن ينمو في قلب اثنين. الأمير عينة هارب من مدينته طروادة بعدما التهمها الحريق. نظر الأمير إلى الأميرة وأطال النظر، ريثما تكفّل كيوبيد برمي سهمين في القلبين العاشقين.
ثمة أميرة على سفينة من أجل عالم جديد، وثمة أمير هارب من عالم حريق. ثمة مملكة فينيقيا وثمة طروادة، ثمة حبّ. وليكتمل المشهد، لا بدّ من الشعر.
فقد خلّد الشاعر اللاتيني فيرجيل في ملحمته الأنيادة" في القرن الأوّل قبل المسيح، قصّة الحبّ. لكنه لم يتمم الملحمة فقد سبق الموت الإلهام الشعري. إلا أن ما وصل من الملحمة المتهادية على خطى إلياذة هوميروس وأوديسيته، يكفي لرواية القصّة.
استقبلت الأميرة الفينيقية الأمير الهارب من مأساته، بوليمة على شرفه. قصّ الأمير على الأميرة ما جرى في طروادة. لم يغفل الأمير "شبح" هيكتور، ابن الملاحم الإغريقية الخالدة. ظهر الشبح وبشّر الأمير بأنه سيبني "طروادة جديدة". كلّ شيء جديد وطازج، هو الحبّ في أوّله.
تتدخل الطبيعة لتعطي القصّة نكهة قدر لا راد له. إنها العاصفة، وقرطاج مسرح لتيارات الهواء المتضادّة، إنها العاصفة ولا بدّ للعاشقين من الاحتماء في كهف.
هما في الكهف معًا، والأميرة عدّت الأمر زواجًا، فكان لها ما أرادت. إلا أن السعادة لا تدوم في الأساطير، فكان امتحان "إلهي". غضب كبير الآلهة جوبيتر على الأمير الذي نسي في غمرة العشق ما قاله له "شبح" هيكتور. لا رادّ لإرادة كبير الآلهة، فلا بدّ من السفر في البحر ثانية.
إن كان الماء سيأخذ الأمير، فإن النار ستأخذ الأميرة. يقال إنها أضرمت النار في "المدينة الجديدة" وانتحرت بألسنتها ولهبها. وللمجاز أن يطلّ فيقول أحرقها الوجد.
المساهمون