يمكن تسمية تسجيل اللبنانية إليسا قصيدة "موطني" للشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان، انقلاباً من المغنية. فالأغنية المعروفة هي نشيد فلسطيني، واستعملها عراقيون إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين، وتحولت نشيدا وطنيا عراقيا، وغناها مئات المطربين والمنشدين والكورال في العالم العربي.
تفكر إليسا بذكاء، وهي التي طالما حملت هموما سياسية، تماما كما تحمل هموم استمرار نجاحها. استقلّت المغنية هذه المرة قارب النجاح بواحدة من أكثر القصائد تأثيرا في العالم العربي، وأطلقت حكما على نفسها بغناء القصيدة بتوزيع جديد، يبتعد كل البعد عن الإنشاد "الثوري"، حيث أطلّت برومانسية جارحة تشدو أبياتا شعرية صعبة على من ضجّت بكلمات بسيطة في أغنياتها العاطفية المصرية واللبنانية.
حاولت إليسا وقبل بلوغ آخر إصداراتها "حالة حب" عامه الأول، أن تحيّي الناس بقصيدة جديدة، من الواضح أنها تتفق مع مبادئ ومفردات القصيدة، وإلا ما كانت سجلتها. ومن الواضح أن المغنية صاحبة الموقف الصارم المعارض للنظام السوري وجدت في نشر الأغنية في هذا التوقيت رسالة أرادتها بعيدة عن المزايدات التي تنضح بها مواقف المغنين أو الممثلين في العالم العربي.
اقرأ أيضا:"نشاز" إليسا.. يلاحظه الجمهور ويتجاهله النقاد
لن يقع اللوم على إليسا في تعابير القصيدة المتجددة بصوتها. على العكس ستهرب وتقول وجهتي هذه المرة إلى العالم العربي. المعروف أنها مؤيدة لخط القوات اللبنانية وزعيمها سمير جعجع. هذا الخط الذي طالما اختلف على موقف لبنان من احتلال فلسطين، ورغم ذلك قررت إليسا الانقلاب دون انتظار هذه المرة، فمن يستطيع لومها على غناء قصيدة أجمع العرب عليها، فغنّتها فلسطين قبل وبعد الاحتلال، ودرسها العراقيون في مقررات دراستهم، وأداها مصريون في أفلامهم ومسلسلاتهم. وها هي تدخل لبنان من باب مغنية يتابعها الملايين.
تبنّت إليسا "موطني" وما يمثله النشيد من معان وذكريات بالنسبة إلى اليمين واليسار السياسي، وهي باعتبارها يمينية لبنانية حتى العظم، لم تهادن يوما بموقفها السياسي المتمثل في تأييد فكر ونهج حزب القوات اللبنانية. في المقابل تختفي فكرة تأييدها لسمير جعجع أو لخط القوات التاريخي خارج مساحة لبنان، فيخرج صوتها إلى العالم العربي بعزف رقيق على بيانو وكورال جيد بلحن محمد فليفل، بحثا عن جمهور يفضل أغنياتها ويتفاعل معها في الحفلات بعيدا عن الفكر السياسي، وهنا ربما يكمن الجزء الأول من نجاح "موطني".
وتواجه إليسا بصوتها مغنيات جيلها اللواتي خرجن بأغنيات مماثلة، ومنهن: كارول سماحة في "الشرق العظيم"، ونجوى كرم في "كلمة حق"، وأغنيات أخرى لم تجد الصدمة الإيجابية التي أحدثتها "موطني" بصوت إليسا.