سيدي عالم الآثار الجليل،
لم أكن لأتخيل قطّ، حتى في أشدّ كوابيسي سواداً، أنني في صبيحة فجر يوم قاتمٍ، يقول المدوّن بأنه الثامن عشر من آب/ أغسطس من العام 2015، سأنهض فزعة وأنا أتملّى جثّتك مشبوحة على عمود إضاءة برأس مقطوع، في تدمر مدينتك التي عشقتها تراباً وآثاراً وبشراً وطرقات وعمراً.
حقاً! هل هذه جثّتك؟ وهذا رأسك؟ هل أصدّق أن هذا ما زعمه المنادي؟
لم يشفع لك أمام سكين القتلة شيء: سنواتك الطويلة التي أفنيتها تنقيباً وبحثاً وكتابة وعشقاً في تدمر، تدمر بكل ما تمثّلة من اسم يضرب جذوره عميقاً في التاريخ، لم تكن كافية لتخطئك سكين القتلة.
آه، آه طويلة تدمر.
ومثلها لسوريانا.
هل هذه صورتك التي ستبقى ماثلة لي وأنا مسمّرة أمام شاشة لا تعرض سوى أفلام القتل والرعب، والجثث التي ما يزال دمها ساخناً؟
سيدي، عالم الآثار الجليل، خالد الأسعد:
ثمة سؤال ما يزال يلحّ على رأسي وأنا أنشج أمامك، أمام جثتك، أمام ما فعله اللصوص الجبناء: لماذا لم تهرع "حسناء تدمر"، تلك المرأة الفاتنة التي أعدتها إلى الحياة من جديد، بعد أن عثرت عليها مدفونة عميقاً وهي تغفو في باطن الأرض، لماذا لم تهرع إلى نجدتك كما فعلت أنت؟
لماذا؟
هل لأنها تعرف أنك لم تمت إلاّ لترقد خالداً بجانبها؟
هدوء: الرجل، عالم الآثار يغفو قليلاً.