إلى الثوار المصريين

20 ابريل 2019
+ الخط -
لم تكن خطوة الاستفتاء على التعديلات الدستورية وموعده خافيين على الثوار المصريين، وإن استصعبها بعضهم قبل أشهر، ورأى في اتخاذها تحديًا من النظام الانقلابي، وفق العرف الدارج بين الثوار بأن كل ما يستسيغونه ويعانون منه على أرض الواقع يرونه محالًا سياسيًا، حتى إذا التف النظام ورأسه حول الأمر، وحولوه إلى واقع أكثر مرارة، تخبط أنصار الثورة باحثين عن موقف محدد، ومختلفين من جديد بشأن الرؤى المتاحة، وإمكانيات تصرفهم المحدودة، إن لم تكن الإسمية الشكلية ليس إلا.
ولم تكن ما أُطلِقَ عليها الانتخابات الرئاسية الأولى في 2014 خافية على أحد من الثوار المصريين، وكذلك ترتيبات قائد الانقلاب لها، بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور، رئيسًا صوريًا للجمهورية منذ 3 يوليو/ تموز 2013 حتى يونيو/ حزيران 2014، مثلما لم يخف على أحد منهم أن الاستفتاء على دستور 2014 ما هو إلا شكل لا أكثر، فالنظام الانقلابي لن يعترف لا بدستور ولا بانتخابات ولا غيرهما، والأهم هو بقاؤه، برئيسه، على رأس السلطة في مصر، لأنه مَنْ ذاق خمر السلطة لم يستغن عنها، بالإضافة إلى أنه لا بديل لدى حزمة الانقلابيين والموالين لهم من المضي في طريقهم الموبوء، فالبديل يهبط بهم من أعلى درج السلطة إلى أسفل هاوية المشانق!
كل ترتيبات رئيس النظام المصري الحالي وأتباعه التأبيد في الحكم والسلطة في مصر إلى ما شاء له الله، وما امتد به العمر، ثم تولية الأمر من بعده لأبنائه يتوارثونه حتى مطلع الساعة، كلها أمور ليست خافية على كل ذي لب وعقل، بل وفهم وضمير، في مصر، فالانتخابات، منذ استطاع الانقلابيون بالفعل عزل الرئيس محمد مرسي، والإمساك بالسلطة بكفٍّ من حديد، وإطاحة الثوار الحقيقيين... كل ترتيبات جميع الانقلابيين واضحة، لا يستطيع أحد الثوار الحقيقيين الادّعاء أنه لم يفهم أو لم يعِ، وحتى منذ ما قبل الانتخابات وقبول الإسلاميين في صورة أكبر فريقٍ منهم بالترشح للرئاسة بعد نفي. كما أن التغيير المعدّ له حاليًا للدستور المصري لن يكون الأخير؛ حال صارت الأمور بقائد الانقلاب في طريقها ومسارها الحالي، لا قدّر الله ولا أراد، أو كما صرح حسن الترابي نادمًا، بعد فوات الأوان، على المشاركة في دستور السودان الانقلابي عام 1989، إن العسكر لا دستور لهم، ودستورهم الأوامر، وأن يطيعهم كل الذين حولهم.
في المقابل، لا يعترف الثوار الحقيقيون من المصريين، لا المعارضون، فالمعارضة في الأصل جزء من النظام، ولكن كل يحاول أن يأخذ مكانه، لا يعترفون بالنظام الحالي من الأساس،
والأصل أنهم يهدفون إلى إسقاطه، ما استطاعوا، غير أنهم الذين يدفعون الثمن غاليًا اليوم، وقد تأخروا كثيرًا في رؤيةٍ حقيقيةٍ، لا مُدّعاة، لمسيرهم نحو الرئاسة، وتجمعهم حولها حتى أنجحوا رئيسًا منتخبًا للمرة الأولى في تاريخ مصر، ثم تفرّقهم وتشرذمهم من بعد، حتى انفرد العسكريون بهم، كلّ على حدة من قوىً في سدة الحكم، حتى المعارضين لهم من العلمانيين وشباب الثورة. وفي النهاية، يدفع جميع المخلصين الشرفاء الثمن غاليًا مضاعفًا اليوم وإلى ما شاء.
كاتب هذه الكلمات يخطها قبل يوم من الاستفتاء على تعديل مواد الدستور، لتمكين قائد الانقلاب وعصابته أكثر من مصر، ومفروغٌ منه أن التعديلات الدستورية ستمر، وإن قال مركز بحثي محترم، هو مركز تكامل مصر لدراسات الرأي العام، إن نسبة المشاركة في الاستفتاء لن تزيد عن 4.8% ممن لهم حق التصويت. والمعروف أن النتيجة ستأتي باكتساح، مثلما كانت تأتي بمدد جديدة في الرئاسة للراحل جمال عبد الناصر، ومن بعده أنور السادات، وبعده حسني مبارك، قبل أن يبتدع الأخير انتخابات صورية في آخر مدة رئاسية له.
آن الأوان وحان الوقت، وعلى الثوار المخلصين، الباقين على محبتهم مصر، أن يتكاتفوا ويتعاونوا لوضع رؤية حقيقية، وخطة محكمة تحترم موضعهم وموقعهم فوق الأرض. ولا يُستنصر بالمعجزات، في زمن معجزة كل فريق في قدرته على إحداث تغيير على أرض الواقع، فهل يبدأ هؤلاء، وإن تأخروا كثيرًا، فما تأخر مَنْ بدأ، فهل يبدأون في تنظيم صفوفهم وإحكام خططهم، وحسن قراءتهم للواقع، بل اختيار المسمى المناسب لوضعهم وقدراتهم عمليًا؟ هل يفعلونها، فإن التغيير يجيء ويبدأ من هؤلاء المخلصين... ولا يُرجى أو يبدأ من غيرهم من الخونة والانقلابيين.