إلغاء المنطقة الحرة في بورسعيد يسبب كارثة للتجار

26 ابريل 2015
جانب من مظاهرات المواطنين للمطالبة بحقوقهم في بورسعيد(أرشيف/getty)
+ الخط -

"لم نعد نجد ما نبيعه إلا في المواسم، منذ الحادثة المشؤومة".. كانت هذه الكلمات أول ما استهل به حمدي شهدة، التاجر الستيني الذي يعيش في محافظة بورسعيد شمال شرق العاصمة المصرية القاهرة، قالها بأسي شديد، وكأنه يتحسر علي الأيام الخوالي التي كان يعيش فيها مرتاح البال، حيث كان الرزق وفيرا ويغطي احتياجات أسرته.

ويضيف شهدة، في حديثه لـ"العربي الجديد": قبل حادثة "أبوالعربي" التي حدثت أيام الرئيس

المخلوع حسني مبارك، كانت مبيعاته تصل إلى 3 آلاف جنيه يومياً، أما اليوم ففي أفضل الأحوال لا تتعدى مكاسبه الـ60 جنيها يومياً، مؤكدا أن البيع صار في المواسم فقط، مثل الأعياد والمناسبات الكبيرة، أما غير ذلك فالحال واقف تماماً.

يتذكر شهدة أنه قبل الحادثة أيضاً كانت المنافذ الجمركية في المحافظة قوية، ولم يكن هناك تهريب إلا في أضيق الحدود، وأن بورسعيد كانت منطقة حرة حقيقية، وبها من البضائع ما لا يوجد في باقي المحافظات، وكان اعتمادها على الزوار من باقي المحافظات أقوى من اعتمادها على قاطني المحافظة.

أما الآن، وفقا لشهدة، فالبيع صار لأهالي المحافظة فقط، والغرباء "يقصد بهم مواطني باقي المحافظات" لا يأتون إلا في شهور الصيف.
تهور فرد فعقوبت المحافظة!

وتتلخص قصة هذه الحادثة أنه في سبتمبر/أيلول 1999 وأثناء زيارة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لمحافظة بورسعيد، حاول أحد المواطنين، ويدعى السيد حسين سليمان وشهرته "أبوالعربي"، الاندفاع وسط الجماهير نحو مبارك لمصافحته، لكن حرس مبارك قتله على الفور، تحت زعم أنه كان يحمل مطواة أو سكينا حاول بها اغتيال الرئيس المصري.

بينما كشفت التحقيقات وقتها أن الأمر لم يتعد كونه مواطناً بسيطاً أراد أن يحيي مبارك، واندفع بتلقائية نحو سيارة الرئيس، وهنا تسرع الحرس، وبادر بإطلاق النيران على "أبوالعربى" الذي سقط قتيلاً في الحال.

وأكد ضباط المباحث أنفسهم، الذين تضمنهم ملف تحقيقات القضية، أن "أبوالعربى" لم يكن مجرماً ولم يكن إنساناً خطيراً له ملف سوابق جنائية أو سياسية في أرشيف المباحث.
إلغاء المنطقة الحرة.

يذكر أن الرئيس المخلوع مبارك أصدر قرارا عام 2002 بإلغاء المنطقة الحرة في بورسعيد، وهو ما عاد الرئيس المعزول محمد مرسي في مارس/آذار 2013 وألغاه، وقرر إعادة تشغيل المنطقة الحرة لمحافظة بورسعيد، غير أن القرار لم ينفذ حتى اللحظة.

ووصف شهدة محافظة بورسعيد منذ إلغاء المنطقة الحرة، بأنه كان قراراً بموت المواطن البورسعيدي بأكمله، مشيراً إلى أن شوارع تجارية كاملة، مثل شارع أسيوط الشهير في المحافظة والذي كان يشتهر بالمستوردين وكبار التجار، أغلقت جميع محلاته، بسبب تراجع التجارة في المحافظة وتوقف البيع.

ويقول شهدة إن جميع المحلات التي كانت بها عمالة تخلى أصحابها عنها، لعدم قدرتهم على الوفاء برواتبهم، وإن البعض الآخر أغلق محلاته أو أجرها أو هاجروا إلى الخارج، لأن الكثيرين الآن غير قادرين على سداد فواتير هذه المحال من كهرباء وغيرها، وأن الكثيرين لجأوا إلى الدين لتسيير أمور حياتهم.

التجار أنواع

وتجار بورسعيد أنواع، فأكبرهم المستوردون الذين تتعدى وارداتهم السنوية 7 إلى 8 حاويات،

ثم تجار الجملة والتاجر القطاعي وصاحب الفرشة. ويقول شهدة إن هناك 100 مستورد يقابلهم 3000 تاجر قطاعي، وأكثر منهم أصحاب المفروشات، وهم من لا يمتلكون محال، بل يضعون بضاعتهم على عربة أو كشك خشبي في شوارع المحافظة.

اقرأ أيضاً: الجيش المصري يستحوذ على ميناء العريش

وتشتهر بورسعيد باسم المدينة الباسلة في مصر، وهي ثالث مدينة في مصر اقتصادياً بعد القاهرة والإسكندرية، وهي مدينة ساحلية، تقع شمال شرق مصر، وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند مدخل قناة السويس.

ولم يختلف حديث محمد مجدي، التاجر البورسعيدي الذي يبلغ 26 عاماً، عن حديث شهدة، حيث أكد أن المئات غيروا نشاطهم التجاري وتحولوا إلى مهن أخرى، مثل العمل كسائق تاكسي، وغيرها من الأنشطة التي تجلب له دخلا بعمله داخل المحافظة، مشيراً إلى أن 90% من أهالي المحافظة يعتمدون على التجارة بشكل كلي.

أما مجدي، فقد أكد لـ"العربي الجديد"، أن تهريب البضائع خارج المحافظة من أهم أسباب الكساد التجاري في المحافظة، بالإضافة إلى القيود المفروضة على المنطقة الحرة، قائلاً "أشاهد يومياً العديد من العربات نصف نقل تحمل بضائع لتهربها إلى خارج المحافظة من مخارج مختلفة".

واتهم مجدي بعض كبار التجار في المحافظة بمساهمتهم في هذه الأزمة، لأنهم يفضلون إخراج بضائعهم بنظام الوارد وليس بنظام المنطقة الحرة. وبالتالي يتمكنون من بيعها بسهولة خارج المحافظة ويحققون مكاسب أكثر في الخارج بدلاً من بيعها داخل المحافظة لباقي التجار.
الصناعة تتراجع بأكثر من 50%

من جانبه يعلق يحيى زنانيرى، رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة ورئيس لجنة الجمارك بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن احتياجات الشعب المصري من الملابس سنوياً تقدر بـ20 مليار جنيه، وأن الملابس المستوردة تسجل الآن حوالى 7 مليارات جنيه سنويا تقريباً، وأن الإنتاج المحلي تراجع إلى أقل من 5 مليارات جنيه، ليسجل بذلك تراجعا بنسبة 50%، حيث إنه كان يفوق الـ10 مليارات جنيه سنويا في الأوضاع الطبيعية.

وعن أبرز المشاكل التي تواجه تجار الملابس في مصر، قال زنانيري لـ"العربي الجديد"، إن

الملابس المستوردة تعد أبرز هذه المشاكل، لافتاً إلى ضرورة تقليل دخول هذه البضائع، ومحاربة التهريب، بالإضافة إلى رفع الجمارك المفروضة على هذه البضائع.

وأضاف زنانيري أن المصانع لم تعد تجد خاماتها الرئيسية من نسيج وقماش، كما أن ضعف القوة الشرائية للمواطن المصري، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، يدخل ضمن هذه المشاكل التي تواجهها الصناعة. مؤكداً أن الملابس أثناء الأزمات المالية لا تدخل ضمن أولويات المواطن.

الصناعة ضحية

ووصف زنانيري الخسائر التي تتعرض لها الصناعة، بقوله "الملابس هي الضحية الكبرى" لأنها سلعة يمكن الاستغناء عنها او إلغاؤها، مؤكدا أن آلاف المصانع خفضت إنتاجها إلى النصف واستغنت عن 30% من العمالة، وهو ما يمثل عبئا إضافيا على السوق المصري.


اقرأ أيضاً: تجار بورسعيد يطالبون بعودة المنطقة الحرة

دلالات
المساهمون