إغلاق مفاجىء لمصانع تونسية... وتشريد آلاف العمال

24 سبتمبر 2016
أغلب المصانع لا توسع نشاطها (نيكولا فوكيه/Getty)
+ الخط -
لا تتطرق البيانات التي ترصد حركة الاقتصاد التونسي، كثيراً، إلى ما يزعج عشرات آلاف العمال، فثمّة مصانع بالمئات قد سكنت محركاتها، ولا تزال، من دون أن يلقى صراخ مشغّليها صدى لدى الحكومات التي تعاقبت على إدارة الدولة في الأعوام الخمسة الماضية، والتي تبدو هي الأخرى في وضع مأزوم. 

وتشير بيانات رسمية إلى أن ما يربو على مائة وعشرين شركة أجنبية تغادر تونس سنوياً، منذ اندلاع ثورة 2011، لكن تقديرات المراقبين تشير إلى أن العدد يفوق ذلك بكثير.
وبين الشركات التي تصفي نشطاها بصفة قانونية وتلك التي تغادر فجأة، يجد عشرات آلاف التونسيين، أنفسهم على قوائم العاطلين عن العمل، فيما تضيع أدنى الحقوق المادية والمعنوية لمن غادرت مؤسساتهم دون إخطار مسبق.

مأساة العمال

حياة الجويني (38 عاماً) هي واحدة من مئات العاملات التي تركتهم شركة أجنبية مختصة في صناعة كوابل السيارات، يواجهون مصيراً مجهولاً بعد أن قررت الشركة الأم غلق فرع تونس، في خطوة مفاجئة، وجد في إثرها نحو 600 عامل أنفسهم بلا عمل، بين عشية وضحاها.


وتقول حياة، لـ "العربي الجديد"، إن إدارة شركتها لم تُشعر العمال ولا النقابات بالرغبة في المغادرة، غير أنه وبعد انقضاء عطلتهم السنوية، عادوا ليجدوا المؤسسة قد أقفلت أبوابها وغادرت نحو وجهة أخرى من دون أن تمكنهم من مستحقاتهم المادية، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى المركزية النقابية لمساعدتهم على استرداد حقوقهم.

وتشير حياة إلى أن الإغلاق المفاجئ للمؤسسات بات أمراً متواتراً في المنطقة الصناعية التي تعمل بها بمدينة "بن عروس"، التي تضم أكبر منطقة صناعية بإقليم تونس الكبرى، مؤكدة أن المؤسسات التي تتنصل من تعهداتها، غالبا ما تذهب إلى خيار الإغلاق المفاجئ، ضاربة بقوانين العمل والاتفاقيات عرض الحائط.

وتشكو النقابات العمالية من ارتفاع وتيرة الإغلاق المفاجئ للمؤسسات الأجنبية، معتبرة أن هذه المؤسسات تستغل ثغرات في قانون الاستثمار وفي قانون العمل، وتغادر دون ضمان حقوق العمال، وهو ما يجعل تحصيل هذه الحقوق أمراً مستحيلا في أغلب الأحيان، في ظل غياب أي ممثل قانوني لهذه الشركات في تونس.

وقال أمين عام اتحاد عمال تونس، إسماعيل السحباني، إن النقابات تواجه صعوبات كبيرة في تحصيل حقوق العمال المسرّحين من المؤسسات التي تغادر من دون اتفاقات مسبقة مع الدولة والعمال؛ بفعل غياب أي ممثل قانوني للشركة أو ممتلكات يمكن الحجز عليها قانونياً لضمان الحقوق.

وأوضح السحباني لـ "العربي الجديد" أن أقصى ما يمكن توفيره في هذه الحالات، هي منحة البطالة التقنية التي تصرفها وزارة الشؤون الاجتماعية للمسرّحين، والتي لا تتجاوز مائة دولار شهرياً، لمدة ستة أشهر.


مناخ سيئ

ويعتبر الخبير الاقتصادي، معز الجودي، أن عدم اطمئنان أصحاب المؤسسات الأجنبية المستثمرة في تونس للوضع العام والانفلات الأمني والاجتماعي، يدفعها للبحث عن وجهات أكثر مردودية، حتى ولو كانت غير متضررة.

وقال الجودي، لـ "العربي الجديد"، إن مناخ الأعمال يحتكم فقط إلى لغة الأرقام، فثمة دول كانت خلف تونس في ترتيب القائمة الدولية لجودة مناخ الاستثمار، تقدمت أشواطا، في الوقت الذي تخسر فيه تونس، موقعها من عام إلى آخر.

وأضاف أن ارتفاع سقف المطالب الذي فاق في بعض الأحيان القدرات المالية للمؤسسات، قد يؤثر لاحقا على قدرتها التنافسية، فضلا عن أن بيروقراطية الإدارة وسوء التعامل النقابي مع المستثمرين يدفعهم إلى المغادرة المفاجئة، ولا سيما أن التشريعات التونسية لا تحمي العمال في هذه الحالات ولا تجرّم المستثمر.

وحذر الجودي، الحكومة التونسية من خطورة هروب الاستثمارات، ما يهدد النسيج الصناعي والخدماتي الذي اكتسبته البلاد على امتداد عقود، ولا سيما أن المستثمرين الذي فضلوا البقاء إلى حد الآن، راجعوا برامجهم بشأن توسعة نشاطاتهم ونقل التكنولوجيات الحديثة التي كان من المفترض أن تساهم في خلق فرص عمل جديدة. ويرى الجودي، صعوبة في إقناع المستثمرين الذين غادروا، بالعودة مجددا إلى تونس.

وكشفت نتائج المسح السنوي حول مناخ الأعمال، أن 3% من الشركات اضطرت إلى إيقاف نشاطها خلال النصف الأول من عام 2015؛ بسبب الإضرابات.

وصرحت 27% من الشركات المستجوبة ضمن المسح الذي شمل 1200 مؤسسة تنشط في قطاعي الصناعة والخدمات، أنها تعتبر الأعباء الاجتماعية عائقا أمام تطورها.
كما اعتبرت 31% من الشركات، أن السوق الموازية تمثل عائقا يحول دون تطور نشاطها، فيما وجهت 27% منها أصابع الاتهام إلى النظام الضريبي.

وأكد المسؤول النقابي في اتحاد عمال "بن عروس"، محمد علي البوغديري، تزايد ظاهرة الإغلاق المفاجئ للمصانع، حتى في تلك التي تشهد مناخاً اجتماعياً مستقراً ومعدلات إنتاج عادية، مؤكداً أن تونس لم تعد وجهة أعمال مغرية بالنسبة للعديد من المستثمرين.

وأضاف البوغديري أن الشركات التي تغادر تبرر "هروبها" بسوء الوضع الأمني والسياسي في البلاد، فضلا عن الفساد الإداري، غير أن هذه العوامل لا تبرر، وفق تأكيده، التنصل من حقوق العمال، داعيا إلى مراجعة القوانين التي تُجرم إغلاق الشركات دون إشعار؛ لحماية حقوق العمال.

وتشير معطيات صادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، أن نحو 470 مؤسسة أجنبية كانت تنشط في تونس، غادرت البلاد في الفترة بين 2011 و2014، نحو 20% منها أغلقت بشكل مفاجئ، ما أسفر عن تسريح نحو 11.3 ألف عامل مباشر، فضلا عن عشرات آلاف الوظائف غير المباشرة.


دعم خارجي

وبالرغم من المخاوف النقابية من هجرة الاستثمارات، أعربت دوائر القرار المالي العالمي عن
تفاؤلها بتحسن مناخ الأعمال في تونس.

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لإذاعة محلية، إن إعلان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي عن المصادقة على قانون الاستثمار في تونس خلال لقائه بوزير الخارجية الأميركي جون كيري، مؤخرا، "يعتبر إطارا تشريعيا مهما وتقدما كبيرا بالنسبة للمستثمرين التونسيين والأجانب".

ودعا وزير الخارجية الأميركي مستثمري بلاده للمشاركة في منتدى الاستثمار التونسي، في 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في مسعى إلى جذب استثمارات بنحو 60 مليار دولار، لإنعاش الاقتصاد التونسي.
دلالات