إطلالات على الباحثين عن الحرية

يقدم الكاتب المغربي محمد طيفوري، في كتابه "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة"، الصادر أخيراً عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، بالاشتراك مع "المركز الثقافي العربي"، مجموعةً من المفكرين والكتّاب من ذوي الاهتمامات المختلفة.

لا يجد القارئ، في بداية الأمر، رابطاً يبرر اجتماعهم بين دفتي كتاب، قبل أن يكتشف الزاوية التي اشتغل عليها الكاتب، وتشكّل ناظماً لخيوطه؛ ونقصد موضوعة الحرية وأسئلتها التي شكّلت هاجساً لجميع هؤلاء الكتّاب، يتجلى في مؤلفاتهم وسير حياتهم.

فالمفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي، مثلاً، سعى إلى تعرية الطغيان، ودافع عن الأمة العربية وقضاياها في سبيل الحرية، فانتهى به الأمر مقتولاً بالسُّم. والمفكر السعودي عبد الله القصيمي حُكم بالإعدام غيابياً بسبب أفكاره، وهو "السلفي المرتد" الذي تحدّث عن العرب بوصفهم ظاهرة صوتية. أما عالم الاجتماع العراقي علي الوردي فعمد إلى تفكيك طبيعة المجتمع العراقي، وأعلن حرباً على وعّاظ السلاطين ونفاقهم.

وتحضر في كتاب طيفوري شخصيات أخرى من المشرق والمغرب، فنقرأ عن نصر حامد أبو زيد ضمن طائفة "التفكير والهجرة"، ونقابل المفكر الفلسطيني عزمي بشارة صوتاً صارخاً في وجه الصهيونية، ثم كأحد أبرز المنظرين للثورات العربية.

أكثر من ذلك، سنتعرف إلى خرائط البلدان من خلال ملامح مفكريها، فندخل إلى ليبيا عبر الصادق النهيوم، ونتآلف في السودان مع العوالم التي رسمها الطيب الصالح في رواياته، ومع أفكار أبو القاسم حاج حمد، صاحب "العالمية الإسلامية الثانية"؛ قبل أن ننتقل إلى المغرب لنعايش المهدي المنجرة في عزلته، وعبد الله العروي.

وتنتهي جولتنا مع الكاتب العراقي عبد الرزاق جبران، صاحب كتاب "الحل الوجودي للدين". أما طريقة حضور هذه الشخصيات في الكتاب فتأتي وفقاً للترتيب العمري.

يمكن تسجيل ملاحظة على هذا العمل تتعلّق بكثرة استخدام الكاتب للمصطلحات الانبهارية التي تصف الشخصيات المقدَّمة بالهرمية والتفرد، ولا تتورّع عن منحها ألقاباً (مثل "نيتشه العرب" و"غاندي السودان") تؤسس لصنميّة طالما ناضل هؤلاء في سبيل تحرير الناس من قيودها.

ومع ذلك، يبقى الكتاب مهماً لتشكيله شرفةً ميسرة يطل منها القارئ على المشروع الفكري الذي اشتغل عليه كل من هؤلاء المفكرين، وبالتالي حافزاً لاقتناء مؤلّفاتهم والتعمّق في أفكارهم، خصوصاً وأن الطيفوري اعتمد لغة وطريقة سلستَيْن في تقديمهم.