في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات السياسية والتاريخية والفكرية والفلسفية والرواية والموسيقى.
■ ■ ■
عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر مؤخراً كتاب "التاريخ والذاكرة" لـ جاك لوغوف (1924-2014) بترجمة جمال شحيّد، وهو عمل تأمّلي في المناهج التي يعتمدها المؤرخون من منطلق رؤية مدرسة "الحوليات" الفرنسية. ينفتح العمل على أكثر من اختصاص معرفي مثل علم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا واللسانيات، والتي تقدّم أدوات نقدية لممارسة الكتابة التاريخية. من أبرز المحاور التي تناولها العمل: التلاعب بالتاريخ، والعلاقة بين الذاكرة الشفوية وصياغة المادة التاريخية، كما يحقّق استعمالات مصطلحات مثل تاريخ قديم أو حديث.
تتتالى خلال هذه الفترة في فرنسا الأعمال التي تشتغل على ما عرف بـ"ربيع الطلاب"، وضمنها صدر مؤخراً كتاب "مايو 68.. ما وراء الديكور" لـ برونو فوليني عن منشورات "غروند". يعتبر المؤلف أنه قد جرت أسطرة أحداث مايو 68 بسبب التفاف المثقفين حولها وبناء "أرشيف متخيّل" قائم على النصوص والتنظير أكثر من الوثائق البصرية أو المسموعة. ومن أجل تجاوز هذه القراءة لـ"ربيع الطلاب" يتناول فوليني ما حدث من خلال وثائق تاريخية ملموسة مثل تسجيلات صحافية ومحاضر الشرطة ونصوص البيانات السياسية والطلابية التي جرى نشرها ورقياً، في مجلات أو مناشير.
في طبعة مشتركة بين "منشورات ضفاف" و"منشورات الاختلاف"، صدر مؤخراً كتاب "هل هي نهاية الفلسفة السياسية؟ حنة آرندت مقابل ليو شتراوس" لـ كارول فيدمايير بترجمة توفيق سخان. المفهوم المركزي للعمل هو الأزمة السياسية التي فرضتها الحداثة، والتي حلّلها كل من شتراوس وآرندت من منظورين مختلفين، حيث إن الأوّل اعتمد على نقد أنماط المعرفة الحديثة، فيما اشتغلت صاحبة "في العنف" على مسألة الحكم وتجسّدها في أنظمة مركزية قمعية سرعان ما نقلت الأزمة النظرية للحداثة إلى جميع مجالات الحياة مثل التعليم والثقافة والهوية والأخلاق.
"في التنظير للحكم بين النهضة والتحرير" عنوان الكتاب الذي صدر مؤخراً عن "دار آفاق" للباحث التونسي خليل العربي. يدرس العمل التأصيل النظري والمؤسساتي البنيوي في مسألة الحكم عبر تجربتي حزبين أساسين في طيف الإسلام السياسي في تونس هما "حركة النهضة" و"حزب التحرير"، وعلى الرغم من الفرق في أدبيات الحركتين، يجد المؤلف أنهما يلتحمان في مخيال ووعي وعقل ديني واحد، الأمر الذي يؤدي إلى إشكاليات متشابهة في حال تولي الحكم، ومن هنا ينفتح الكتاب على دراسة علاقة هذه الأحزاب بمسائل حقوق الإنسان والحريات الفردية وعلاقة الدولة بالمجتمع والدين.
بترجمة نبيل الحفار عن الألمانية، صدرت مؤخراً رواية "مشوار المشي" للكاتب السويسري روبرت فالزر (1878-1956) عن "الجمل". من الغلاف الخلفي للرواية نقرأ "أحيطكم علماً بأنني ذات يوم جميل، قبل الظهر، لم أعد أدري في أي وقت بالدقة، حضرتني رغبة في أن أتمشى، فلبست قبعتي، وغادرت غرفة الكتابة أو غرفة الأرواح، ونزلت على الدرج لأخرج بسرعة إلى الطريق. بإمكاني أن أضيف أني التقيت على الدرج بامرأة تبدو وكأنها إسبانية، تظهر عليها مسحة جلال شاحب ذابل. ولكن يجب أن أمنع نفسي بشدة عن التوقف ولو لحظات عندها، إذ لا يجوز لي هدر المكان ولا الزمان".
"دعوة إلى الموسيقولوجيا" عنوان كتاب الباحث التونسي سمير بشة الذي صدر مؤخراً في طبعة مشتركة بين "منشورات سوتيميديا" و"مركز الموسيقى العربية والمتوسطية". ينطلق العمل من فحص واقع البحث العلمي في الموسيقى عربياً، سواء منها الدراسات التي أنتجها باحثون عرب أو مستشرقون، ويعتبر المؤلف أن الأفكار المنتقلة من خارج الثقافة الموسيقية المحلية، على أهمّيتها، غير كافية لتقديم المعنى الحقيقي للفعل الموسيقي؛ من هنا تبدأ دعوته لتأصيل هذا المجال المعرفي الذي يحتاج إلى دراية بالممارسة الفنية من جهة ومنهجيات العلوم الإنسانية من أخرى.
صدر مؤخراً عن "منشورات نينوى" كتاب "العرفان عبر تاريخ الملل الكبرى" لـ عبد الباقي مفتاح الذي يعود إلى مدوّنات أشهر من تناولوا مسائل العرفان مثل محيي الدين بن عربي، وعبد الكريم الجيلي، وعبد الواحد يحيى، كما يرصد انتقال مفهوم العرفان إلى الثقافة الغربية من خلال الدراسات الفلسفية والتاريخية. يرى المؤلف أن سعي الغرب إلى فهم خصوصيات العقل العربي الإسلامي ينبغي أن يرافقه اهتمام عربي بالدراسات الأجنبية حوله. الكتاب يقدّم في هذا الإطار عدداً من الترجمات (عن اللغة الفرنسية) لنصوص ودراسات حول العرفان في الغرب.
أصدرت "دار الجنوب" مؤخراً مذكرات رجل الدولة التونسي السابق الهادي البكوش (1930) في عمل بعنوان "بكل صراحة" (بالفرنسية). العمل يتناول محطات أساسية في تاريخ تونس الحديث كان البكوش شاهداً عليها مثل الحركة الوطنية ضد الاستعمار حين كان أحد القيادات الحزبية الشبابية، ثم تولى بعد الاستقلال عدداً من المناصب السياسية، خصوصاً في ما عرف بتجربة "التعاضد"، قبل أن يجري إسقاطها ليبتعد المؤلف إلى الظل (شغل مناصب دبلوماسية) ثم عاد إلى الساحة السياسية بقوة مع تغيير 1987 الذي أطاح بحكم بورقيبة، وكان البكوش أوّل رئيس حكومة زمن زين العابدين بن علي.