إذا كان "تبادل الاعتراف" بين الإمارات وإسرائيل قد ترك شيئاً من الصدمة كخبر، إلا أنه لم يكن مفاجئاً كخطوة، فقد كان مسألة وقت فقط.
فمنذ فترة ومقدمات الخطوة تتوالى برعاية إدارة دونالد ترامب، التي تحكمت بالتوقيت وحرصت على إخراجه بصورة لا تخفى فيها رغبتها في توظيفه انتخابياً.
طبخة الإعلان وُضعت على النار بعد تمكن بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة عقب فوزه بالانتخابات، وتلويحه بضم مستوطنات الضفة والأغوار في الأول من يوليو/تموز الماضي.
على إثر ذلك، عملت إدارة ترامب على لجم "الاندفاع الإسرائيلي"، أو بالأحرى سعت لتأجيل الضم عملياً من دون المطالبة بالتخلي عنه تحت ستار أن "قرار الضم إسرائيلي" في آخر المطاف.
وفجأة، قام وزير الخارجية مايك بومبيو، في 12 مايو/أيار الماضي، بزيارة عاجلة لإسرائيل بالرغم من مخاطر كورونا، لمدة 8 ساعات، قيل في حينه إنها تتصل بموضوع الضم. وبالفعل انطفأت بعدها سيرة الموضوع. وقيل في واشنطن إن قرار الضم جرى تجميده ووضع الملف على الرف بطلب من البيت الأبيض وحتى إشعار آخر.
بعد شهر، في 12 يونيو/حزيران الماضي، نشرت الجريدة الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت" مقالة للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، نهى فيها إسرائيل عن المضي بخطوة الضم، على اعتبار أنها "تؤذي التقدم الذي تحقق في العلاقات العربية الأميركية".
الحديث في واشنطن عن التقارب المتجه إلى اعتراف الإمارات وغيرها بإسرائيل ليس بجديد. ترافق مع الزيارات والرحلات الجوية والمشاركة في دورات رياضية، مع ما رافقها من رفع العلم الإسرائيلي، وغير ذلك من الخطوات التي طالما اعتُبرت بمثابة المقبلات للوجبة الكاملة والآتية في الوقت المناسب
وقد حظيت المقالة آنذاك بتنويه وترحيب أميركيين، سياسياً وإعلامياً، وبما يشير إلى أن مسألة العلاقات باتت على قاب قوسين أو أدنى. وتبيّن الآن أنها كانت جزءاً من الإعداد للاعتراف الذي أشرفت الإدارة على هندسة طريقه، وربما بمساعدة شخصيات يهودية أميركية تردد أنها نصحت بمقالة السفير، وبأن تكون باللغة العبرية.
الحديث في واشنطن عن التقارب المتجه إلى اعتراف الإمارات وغيرها بإسرائيل ليس بجديد. ترافق مع الزيارات والرحلات الجوية والمشاركة في دورات رياضية، مع ما رافقها من رفع العلم الإسرائيلي، وغير ذلك من الخطوات التي طالما اعتُبرت بمثابة المقبلات للوجبة الكاملة والآتية في الوقت المناسب. ولذلك لم يكن للإعلان وقع المفاجأة الكبيرة في واشنطن، إلا من حيث كونه كسراً لممنوع عتيق توفرت شروط تجاوزه، ونجحت إدارة ترامب في تمريره في الوقت والشكل الملائمين لحساباتها الانتخابية.
ويوجد الرئيس ترامب في وضع انتخابي صعب إن لم يكن أكثر، ويحتاج إلى أي تعويم، أو إلى أي "إنجاز" يمكن توظيفه لوقف تقدم منافسه جو بايدن.
أمس أخذت حملة هذا الأخير شحنة زخم باختياره السناتور كامالا هاريس كنائب رئيس. جمعت بعد التسمية، 26 مليون دولار في ظرف ساعة، ودخل على خط التبرعات لحملته أكثر من 150 ألف مواطن من المؤيدين الجدد.
وعليه، ليس صدفة ولا من المألوف أن يحرص الرئيس ترامب على الإعلان عن هذا التطور غير الاعتيادي من مكتبه في البيت الأبيض، محاطاً بأركان إدارته المعنيين بالموضوع، ما عدا وزير الخارجية بومبيو الذي يقوم بجولة أوروبية.
ولاستكمال المشهد، سوف يرعى الرئيس احتفال التوقيع على التطبيع بين إسرائيل والإمارات في البيت الأبيض قريباً. وبهذ فإن الرسالة واضحة، وخاصة إلى اليهود الأميركيين: إنه هو صاحب هذا الاختراق الإسرائيلي للخليج، وإن كلفته لم تكن باهظة لإسرائيل، إذ عليها "وقف" الضم وليس وقف الاحتلال. ووقف الضم ليس نهائياً. القطبة المخفية أنه يمكنها اللجوء إلى هذه الخطوة في وقت لاحق. مقايضة رابحة لإسرائيل لا يقوى حتى خصوم ترامب في أميركا على عدم تسجيلها في رصيده.
من المنظار الأميركي، حقق ترامب خبطة دبلوماسية نوعية. ساعدته الظروف والقابلية الإماراتية المفتوحة على الاعتراف. أن تؤتي العملية ثمارها الانتخابية أم لا فهذا موضوع آخر، لكن الأهمية تبقى في أن ترامب نجح في تمكين إسرائيل من الحصول على تنازل مجاني عربي كبير مقابل وقف تكريس الاحتلال وليس إزالته.