إسرائيل تكذب لتتجمل

13 اغسطس 2014

نقطة تفتيش إسرائيليّة على الحدود الأردنيّة الفلسطينيّة (يناير/1984/Getty)

+ الخط -


ما أشبه اليوم بالبارحة. هكذا أخاطب نفسي، وأنا أتأمل ما تقوم به إسرائيل في أثناء عدوانها الغاشم على غزة، تعود بي الذاكرة إلى العام 1988، حيث أعلنت إسرائيل أنها تحترم حرية الصحافة، فقررت أن تسمح لأهم مجلة سياسية عربية كانت تصدر، في ذلك الوقت، أن توزع خارج فلسطين، وهي مجلة "البيادر السياسي". ولأنني صدقت ذلك، قررت أن أضع أعداداً من المجلة في حقيبتي، وأنا أستعد للسفر إلى مصر، لكن أمي رفعتها، في اللحظات الأخيرة، ووضعت بدلاً منها "مرمرية" تلبية لطلب أصدقائنا المصريين.

على معبر رفح، وأمام عيني، كانت المجندات اللواتي يفتشن المسافرين يعتقلن شاباً جامعياً عثرن، في حقيبته، على قصاصةٍ من المجلة. هنا، وقع قلبي بين قدمي، وأدركت أن دوري في الاعتقال حان، لولا أن أمي همست لي: أنت هبلة، تصدقي كلامهم، أنا رفعت المجلات.

مرت سنوات على الحادثة، لتليها حادثة أخرى، في 1994، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، حيث أعلنت إسرائيل أنها لن تفرض غرامة مالية على من يضع شعارات مناوئة لها على جدران بيته، كما كانت تفعل. ولأول مرة، كتب أبناء الحي المشاغبون شعاراتٍ بألوان الطلاء على جدران بيتنا، منها: تحيا فلسطين، فلسطين عربية، ولم يهتم أبي بإزالتها بناءً على القرار المعلن. وبعد أيام، مرت دورية من جنود الاحتلال أمام بيتنا، واستوقفتهم الشعارات، فنادوا أبي، وصوروه بجوارها، ثم طلبوا توقيعه على غرامة مالية كبيرة، يدفعها في إدارة الحكم العسكري. وفي النهاية، وإمعانا في الإذلال، قدموا له دلواً صغيراً به طلاء أسود، وطلبوا منه إخفاء الشعارات به. لم يشعر أبي بالمهانة في حياته، وطوال أيام الانتفاضة، مثلما شعر ذلك اليوم.

تذكرت الحادثتين، وإسرائيل تتحدث عن إنسانيتها عند قصف البيوت، وأنها تطلق صاروخاً تحذيرياً صوب البيت المراد تدميره، لإعطاء سكانه فرصة إخلائه في فترة لا تزيد عن ثلاث دقائق، قبل تدميره بصاروخ من طائرة إف 16. وانطلت الخدعة "الإنسانية" على العالم، فيما الحقيقة أن الصاروخ الذي تطلقه الطائرات نحو البيوت ليس تحذيرياً، بل إرشادي، تطلقه طائرة استطلاع بدون طيار، يطلق عليها العامة في غزة "الزنانة". وبتوجيهه على المنزل المراد قصفه، تنتج عنه غيمة من دخان أسود، يعين طائرة إف 16 على القصف وإصابة الهدف بدقة، لأن غزة مكتظة بالسكان، وبيوتها متلاصقة. ولذلك، يصعب على هذه الطائرة تحديد الهدف بدقة، وكثيراً ما يتم إطلاق الصاروخ الإرشادي، وأهل البيت نيام، لا يشعرون به، أو يعتقدون أنه صوت القصف المستمر حولهم، فلا يجدون فرصة للهرب، وكثيرة البيوت التي هدمت فوق رؤوس أصحابها، لأن الفترة بين الصاروخين لم تكن كافية لهروبهم. وكثيراً ما عمدت إسرائيل إلى قصف المنازل بصاروخ من طائرة إف 16 عندما تتأكد أن البيت المراد قصفه يقع في منطقة منعزلة، أو أن الهدف البشري الذي وضعته ضمن قائمة بنك الأهداف موجود في هذا المكان، كما حدث عندما قصفت الطائرات منزلاً، يطلق عليه في غزة "الديوان"، وقد لجأ إليه كثيرون من شباب العائلة وشيوخها، فيما نزحت نساؤهم إلى قلب المدينة.

كان جدّي، ببساطته وطيبته، يبدي إعجابه بعقلية اليهود، حسب قوله، ويعترف بمكرهم وخداعهم. وقد استاء كثيراً لمّا أخبرته أن جنود دورية راجلة أطلقوا النار على حمارٍ، كتب على جلده أطفال الحجارة كلمة شارون. كان جدي فلاحاً، ويعرف قيمة الحمار للفلاح، وحين مرت أمامه دورية أخرى، استوقفها وعاتب قائدها على قتل الحمار، فضحك العسكري الإسرائيلي، وقدم مبلغاً لجدّي، ليوصله لصاحب الحمار، فألقاه جدّي في وجهه في شمم وكبرياء.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.