ووفقاً لما توفر من معلومات، وبحسب اعتراف الصحف الإسرائيلية، فإن المبادرة الأميركية للقاء الثلاثي هذا المساء، وما سبقه من لقاء بين العاهل الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يشكلان مع سعي الحكومة الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني للتهدئة مع قيادات في الداخل الفلسطيني، تحركاً إسرائيلياً يهدف بالأساس إلى تهدئة الأوضاع على الجبهات الثلاث المذكورة.
ويشكل اللقاء مع العاهل الأردني فرصة لنتنياهو لتكرار تعهد حكومته، بالالتزام واحترام المكانة الخاصة للمملكة في المسجد الأقصى، وفقاً لنصوص اتفاقية "وادي عربة" للسلام بين الطرفين، وتكرار موقفه المعلن أخيراً أنّ حكومته لا تعتزم تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، مع حضور ضامن أميركي لهذه التعهدات هو وزير الخارجية الأميركي.
أمّا على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، وفي ظّل تصعيد التصريحات المتبادلة بين حكومة نتنياهو، وفي مقدمتها تصريحات نتنياهو نفسه، أنّ عباس شريك في التحريض على "العنف وضد إسرائيل"، فإن لقاء العاهل الأردني مع نتنياهو قد يتضمن نقل رسالة فلسطينية للتهدئة، خاصة بعد إعلان وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ياعلون، أمس الأول أنّ التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية مستمر، على قدم وساق، وأنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بدور كبير في منع التصعيد في الضفة الغربية.
وبالنسبة إلى الداخل الفلسطيني، هناك مؤشرات إلى تراجع حكومة نتنياهو عن حملات التصعيد ضد القيادات العربية وضد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، تمثلت بعقد لقائين بين وزراء من حكومة نتنياهو وبين رؤساء سلطات محلية وبلدات فلسطينية في الداخل الفلسطيني، كان أولها اللقاء الذي تم في الناصرة، بين رؤساء سلطات محلية فلسطينية ومن بينهم رئيس بلدية الناصرة علي سلام، ورئيس اللجنة "القطرية للسلطات المحلية العربية"، مازن غنام، من جانب، وبين وزير العلوم، رئيس "الشاباك" الأسبق يعقوف بيري من جانب آخر، حيث دعا بيري خلال اللقاء إلى تهدئة الأوضاع.
إلى ذلك، التقت وزيرة العدل الإسرائيلية، تسيبي لفني، أمس الأربعاء، في الكنيست، مرة أخرى برؤساء السلطات المحلية العربية في الداخل، وتناول اللقاء الثاني أيضاً دعوة لتهدئة الأوضاع ووقف التظاهرات وعدم التصعيد في الداخل الفلسطيني.
وتأتي هذه التحركات الإسرائيلية، في وقت سعى فيه نتنياهو إلى التصعيد الخطابي والبلاغي، بينما كانت الجهات الأمنية الإسرائيلية تدعو إلى التهدئة، بموازاة قمع التظاهرات في الداخل الفلسطيني وفي القدس والضفة الغربية.
مع ذلك، فإنّه لا يمكن تجاهل تصريحات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق أهرونوفيتش، عن تقديراته باحتمالات وقوع المزيد من العمليات الفلسطينية، خصوصاً أن الحديث يدور عملياً عن عمليات فردية وغير منظمة من قبل فصائل فلسطينية.
ويبدو أن حالة فقدان "الأمن الشخصي" لدى الإسرائيليين، التي رصدتها الصحف الإسرائيلية مطلع هذا الأسبوع، من جهة، واعتراف الشرطة الإسرائيلية بأن حالة التأهب التي أعلنتها ونشر مزيد من القوات، لا يمكنه في واقع الحال منع أو إحباط أي من العمليات الفردية، وأن الغاية من هذا الانتشار بالأساس هو بث الأمن في نفوس الإسرائيليين أنفسهم.
كذلك، فإن نتنياهو الذي يجد نفسه متهماً من قبل عناصر يمينية في حكومته، أبرزها وزير الاقتصاد وزعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، بفقدان السيادة على القدس المحتلة، يسعى إلى استعادة الهدوء من خلال التوصل إلى تفاهمات للتهدئة لتفادي تفاقم الأوضاع الأمنية في إسرائيل، في وقت تشير فيه الدلالات الداخلية كافة إلى أنّها مقبلة على انتخابات نيابية عامة قد تنطلق في إبريل/ نيسان المقبل.
وفي هذا السياق، لن يكون بمقدور نتنياهو المجازفة بعودة العمليات بكثافة إلى المدن الإسرائيلية من جهة، ولا بقطعٍ، ولو مؤقت، للعلاقات مع الأردن، وهو ما قد يسبب له ضرراً كبيراً ليس فقط داخلياً، وإنّماً أيضاً على الصعيد الإقليمي والدولي، بحيث ينسف كل حديث نتنياهو عن فتح آفاق سياسية جديدة في المحيط العربي، وفرصاً لتعاون مبني على المصالح المشتركة مع دول الاعتدال، وفق تعبيره.