إرادة مقدسية وهزيمة إسرائيلية

02 اغسطس 2017
+ الخط -
تذكر كتب التاريخ أنه في النصف الأول من القرن الثاني عشر قبل الميلاد اتجهت شعوب البحر (الفلسطينيون) من منطقة بحر إيجة إلى نواحي فلسطين التي سمّيت باسمهم، وجلبوا معهم صناعة السلاح الحديدي الذي غيّر اللون السياسي للشرق الأدنى القديم كله.
ما شاهدناه من المقدسيّين، بعد إغلاق بواباته في الرابع عشر من يوليو/ تموز الماضي، من قوة إرادة وتصميم، وثبات على الموقف أربعة عشر يوماً متتالية من الصلاة عند بواباته وبكثافة عجيبة، يؤشر على إرادة صنعت من حديد، مرسلة رسالة واضحة المعالم إلى كل من يهمه الأمر أنّ المقدسيين لن ينتظروا الإرادات العربية، ولا الدولية، فعندما يتم تهديد بيت الله، لن يرى الإسرائيليون إلا بأس الحديد.
أدرك المقدسيون مبكراً خطورة البوابات الإلكترونية في السيطرة على المسجد الأقصى، فلن يصبح باب المغاربة في يد الإسرائيليين فقط، بل كل أبواب الأقصى، وما حرص الإسرائيليين على منع المصلين يوم الخميس الفائت من الدخول من باب حطة الى المسجد الأقصى، إلا محاولة أخيرة لتحقيق الحد الأدنى من المخطط للسيطرة على كل البوابات، إلى السيطرة الجديدة الفاشلة على باب حطة.
إنها إرادة حديدية، وقف أمامها جيش تحطمت معنوياته خلال جمعة "الغضب والنفير"، والتي أعدّ فيها جيش الاحتلال تعزيزات مكثفة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ظنّا منه أنّه يستطيع ترهيب المقدسيين بفرض واقع جديد بالقوة العسكرية، فلم يكن أمام المقدسيين إلا المواجهة التي سقط فيها شهيدان ومئات الجرحى، ليختتم مشهد الشهداء حسب الهلال الأحمر الفلسطيني بسقوط 12 شهيدا من دون عائلة جبارين الثلاثة، وإصابة مئات بجروح متفاوتة خلال مواجهات الضفة والقدس.
لم يبخل الفلسطينيون بتقديم الشهداء فداء للأقصى، فالمخطط واضح، صدحت به ألسنة رؤوس السلطة الإسرائيلية كنائب وزير الدفاع الإسرائيلي، إيلي بن دهان، الذي دعا الى توطيد سيادة إسرائيل على الحرم القدسي، ومنهم من اعتبر الفرصة مؤاتية جدا لبسط النفوذ والسيطرة الإسرائيلية، كالبروفيسور هيليل فريسش، من مركز بيغن السادات، في مقال حمل عنوان "سيطرة إسرائيل على جبل الهيكل هي حاسمة من أجل السلام".
محاولة نتنياهو في البداية الهروب من الخضوع للإرادة المقدسية، جعلته يرهن أمر اتخاذ القرار بعد وضع البوابات الإلكترونية بيد الشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لكن ما شهدته موقعة الجمعة في 21 يوليو/ تموز جعلته يسارع إلى عقد جلسة للكابينيت، فتقديرات الأجهزة الأمنية أنّ الفلسطينيين على رأي واحد، وهو التصعيد الشعبي، ناهيك عن تهديدات المقاومة الفلسطينية، في حال تعرّض الأقصى للخطر، أرغمت نتنياهو على شرب كأس الهزيمة المرّ، بفتح بوابات الأقصى.
وتعليقا على هزيمة نتنياهو، كتب الصحفي، ألون بن دافيد، مقالا في صحيفة معاريف بعنوان "على الركبتين"، وصف مآل من يريد تغيير الواقع في الحرم القدسي من خلال تغريدة (ويقصد نتنياهو) إلى الخضوع مع ذيل بين الساقين.
واضح أنّ الإرادة الشعبية هي المنتصرة، وما يحكى عن جهود عربية من هنا وهناك لن تقدّم ولن تؤخر شيئا، لولا المواجهة النضالية وسقوط الشهداء والجرحى. وللأسف، هناك من ظنّ (محمد العريفي) أنّه يستطيع أن يضحك علينا، ويستهزئ بعقولنا أنّ زعيماً عربياً يحاصر قطر، ويرفض الحوار إلا بشروط، استطاع، من خلال اتصالاته ومساعيه، أن يزيل البوابات الإلكترونية، فأسأله بالمقابل: هلا تخبر زعيمك أنّ غزة محاصرة منذ 11 عاما فهلا أزال زعيمك الحصار عن غزة؟
إرادة الشعوب هي الغالبة، وإنّ في فلسطين شعبا نفض يده من الإرادة العربية والدولية، ومن عبارات الاستنكار والاستهجان، فأرض فلسطين ترتوي بدماء المناضلين، وتحقق النصر بإرادة حديدية.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)