إذاعات تونسية خاصة في مهب الأزمة المالية

09 يوليو 2019
تستحوذ "موزاييك" على أغلب حقيبة الإعلانات التجارية(سفيان حمداوي/فرانس برس)
+ الخط -
نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تونس (الهايكا) عن سحب الإجازة القانونية من إذاعة "صراحة أف أم"، نظراً لانقطاع بثّها لمدة تجاوزت التسعين يوماً. وسحب الإجازة عن هذه الإذاعة الخاصة يُعيد إلى السطح من جديد الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها الإذاعات الخاصة التونسية، والتي حصل أغلبها على الإجازة القانونية بعد الثورة التونسية سنة 2011.

إلا أنّ هذه الإذاعات تراجع عددها إلى 12 إذاعة خاصة، بعد أن كان عددها يصل إلى 17 إذاعة. وتمّ غلق أغلبها لأسباب إدارية مثل إذاعة "كلمة"، وأخرى لأسباب مادية مثل إذاعات "أوزيس أف أم"، و"صراحة أف أم"، وأخرى تعمل بصعوبات كبرى مثل إذاعة "حرية أف أم".

ويُرجع المختصّون أسباب تراجع عدد الإذاعات الخاصة إلى الصعوبات المالية التي تمرّ بها هذه الإذاعات في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس منذ سنوات، ما أدى إلى تراجع الإعلانات التجارية بشكل كبير، لتصل الحقيبة الإجماليّة للإعلانات التجارية الخاصة بالمحطات الإذاعية إلى أقل من 40 مليون دينار تونسي (ما يناهز 12 مليون دولار أميركي). وهي حقيبة ماليّة، على ضعفها، تحتكر النصيب الأكبر منها بعض الإذاعات الخاصة. إذ تستحوذ إذاعة "موزاييك أف أم" على أكثر من نصف هذه الحقيبة المالية المخصصة للإعلانات التجارية تليها إذاعات "جوهرة أف أم" و"ابتسامة أف أم" و"شمس أف أم"، في حين لا تتمكن بقيّة الإذاعات إلا من بعض "البقايا" من هذه الحقيبة المالية التي لا تُمكّنها من الاستمرارية في البث. 

أزمة مالية ظهرت تجلياتها في عدم تسديد أجور العاملين في هذه الإذاعات منذ أشهر، ما أدى إلى تحركات احتجاجية من قبل العاملين فيها مثلما حصل في إذاعة "كنوز أف أم".
هذه الوضعية المالية الصعبة لبعض الإذاعات واحتكار بعضها للإعلانات، قد تؤدي إلى اندثار الكثير من هذه المحطات الإذاعية الخاصة، لتظلّ فقط الإذاعات الخاصة المحتكرة لسوق الإعلانات التجارية، والإذاعات الجمعياتية وعددها تسع إذاعات، وهي إذاعات غير ربحية تتمتع بدعم بعض المنظمات التونسية والدولية من خلال مشاريع تعمل عليها وتجد تمويلاً من قبل بعض الجمعيات الناشطة في المجالات التربوية والثقافية والحقوقية.

أما الإذاعات العمومية (الرسمية) وعددها عشر محطات إذاعية، ورغم أنها ظاهرياً في منأى عن هذه الأزمة المالية باعتبارها تُموّل من قبل ميزانية الدولة التونسية، فتعرف هي الأخرى صعوبات مالية، إذ تخصص أكثر من 90 بالمائة من ميزانيتها لأجور العاملين فيها والمقدر عددهم بأكثر من 1160 عاملاً، وهو ما يستدعي في تقدير المشرفين عليها خطة إصلاحية شاملة تبدأ بعملية تخفيض ضرورية في عدد العاملين فيها حتى تتمكن من تجاوز صعوباتها المالية وتخصيص جزء مهم من ميزانيتها للإنتاجات الإذاعية لتصبح أكثر تنافسية وقادرة على فرض نفسها في المنافسة مع المحطات الخاصة التي تحتكر نسب الاستماع وبالتالي تحتكر النصيب الأكبر من الحقيبة المالية للإعلانات التجارية.

ودفعت الصعوبات المالية الكبرى الإذاعات الخاصة التونسية، والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل) إلى الدفع في اتجاه إيجاد حلول للصعوبات التي يعرفها العاملون في هذه الإذاعات من تأخّر في صرف الأجور وغيابها في بعض الأحيان، ممّا أدى إلى توتير المناخ الاجتماعي داخلها وجعل الإعلاميين يعانون وضعيات مالية صعبة وهشة. وهو ما أكّده تقرير الحريات الصحافية الذي تُصدره النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة كل 3 مايو/ أيار، معتبرةً أنّ الخطر الأكبر على حرية الصحافة في تونس هذه الهشاشة في الوضعيات الاجتماعية للصحافيين، والتي قد تكون مدخلاً لسيطرة المال الفاسد والمال السياسي على بعض المؤسسات الإعلامية وتوظيفها لخدمة أجنداته الخاصة.
دلالات
المساهمون