04 أكتوبر 2024
إدمان الماضي
لم يكن في مصر تمهيد فكري وثقافي كافٍ يسبق ثورة 25 يناير العظيمة، ما أدى إلى نجاح الثورة المضادة التي تحكم مصر الآن. دعونا نعترف أن ثورة يناير لم تكن شعبية بمعنى الكلمة، بل أطلق شرارتها شباب من الطبقة الوسطى، ثم انضمت إليها قطاعات من الشعب، لكن الأغلبية محافظة، ولم تتحرك إلا في النهاية، وعلى مضض.
لم تأخذ الثقافة السياسية مجراها في المجتمع، بسبب تدجين السلطة معظم المثقفين المصريين والعرب. لم يكن هناك نقاش جاد ومتكامل حول المشروع الذي نلتف حوله، وكيف يكون التغيير وإلى ماذا، وما الخطوات نحو التغيير بعد رحيل رأس السلطة، وهذا ما مكّن الفصيل الأكثر جاهزيةً وانتهازيةً للقفز على السلطة، إلى أن استطاع النظام القديم العودة بعد "3 يوليو".
لم يسبق ثورة يناير تمهيد فكري وفلسفي، مثل الذي حدث مع الثورات الكبرى، كالثورتين الفرنسية والبلشفية، وهي ثورات غيّرت العالم، وحتى الأفكار والسياسة التي ننادي بها جميعا الآن، في مصر والوطن العربي، هي نتاج أفكار فلسفية أو ثقافية، معظمها غربية، فالرأسمالية نظام سياسي معتمد على الليبرالية، والاشتراكية نتاج الأفكار الفلسفية حول العدالة والمساواة، وكذلك القومية نزعات سياسية تقوم على وحدة القوم أو اللغة أو الدين أو الجنس. لذلك، لا تتوقف الأصولية على الإسلاميين، فهناك أصوليات عسكرية وعلمانية واشتراكية وليبرالية وقومية. وإذا كان الإسلاميون يتحدثون دائماً عن الماضي والخلفاء الراشدين، وأن النجاة في العودة إلى الماضي، والنقاء قبل المعاصي والبدع، فستجد كذلك من يترحم دائماً على الستينيات وحلم الوحدة والخطب السياسية التي كان يسمعها كل العالم العربي.
إنها الذكريات والمشاعر والخطب وأغاني عبد الحليم حافظ. لذلك، يجب انتظار عودة جمال
عبد الناصر، حتى لو تعلم عسكريته في أميركا نتيجة كامب ديفيد. وستجد من يحدثك فقط عن الثورة البلشفية وحلم لينين وماو تسي تونغ، أو كومونة باريس. وفي الليبراليين، تجد من يتباكى على الحقبة الليبرالية قبل 1952 والحريات والدستور والتعددية والثقافة، من دون الحديث عن الأخطاء وعن المستقبل.
ما زلنا نعيش في صراعات أيدلوجيات الماضي وحساباته وأحزابه ورموزه وقواعده وقيمه، حتى الشباب وقعوا في الأخطاء نفسها، ما أدى إلى سرقة قوى الماضي الثورة مرتين.
لم تسبق ثورتنا نقاشات وكتابات ونظريات، كالتي سبقت الثورات الكبرى. لذلك، لم نكن مدركين ما نريده تحديداً، هل كنا نريد رحيل حسني مبارك؟ وماذا عن نظامه؟ هل حُسمت قضية علاقة الدين بالسياسة؟ هل حسم الصراع بين القومية العربية والنزعة الإسلامية؟ هل هناك فرصة للتوفيق والحديث عن الدوائر الثلاث (مصر والعروبة والإسلام)؟ هل نعيش فعلاً أزمة هُوية؟ هل حسمت علاقة العسكر بالسياسة؟ وما معنى مدنيّة الدولة؟ ولماذا دائماً علينا الاختيار بين الخبز والحرية؟ الأمن أم الديمقراطية؟ الاستقرار أم حقوق الإنسان؟ وماذا عن عهد السيسي الذي لا فيه خبز ولا حرية ولا كرامة ولا استقرار ولا أمن؟
حتى الأسئلة التي طرحتها يعود معظمها إلى الماضي وشعاراته وصراعاته. لكن، ما أنا متأكد منه أنه يجب دائماً طرح الأسئلة، ومحاولة العثور على إجابات، وعدم الاستسلام لما يُفرض علينا من أفكار وأيدلوجيات ومناهج وخطب، كأنها ثوابت أو منزّلة من السماء.
من المهم أن ندرس تجارب الماضي. ولكن، لا نعيش فيها، أو نحاول استنساخها أو إعادة إحيائها، خصوصا لو كان فيها فشل أو كوارث. ومهم جداً أن نعي الحاضر ونحلله، بعيداً عن المعلّبات ونظريات المؤامرة والتخوين. والأهم أن نفكر للمستقبل، وماذا نريد له. من الجميل أن يدرس بعضهم أيديولوجيات الماضي. ولكن، حتى الغرب، صاحب هذه الأيديولوجيات، طوّر منها وعدل الكثير، وما زال بعضنا يعبد الجمود ونظريات الماضي وتجاربه، كما هي. فهناك من يريد إعادتنا إلى الماضي، وهناك من يحكمنا، ويصرّ على تكرار التجربة الفاشلة نفسها. والصراع في مصر بين قوى الماضي والبدائل لم تظهر بعد، ولم يقدّم العرب، بشكل عام، جديداً منذ قرون، واكتفوا بالاستهلاك المتأخر لمنتجات الغرب الفكرية والصناعية والتكنولوجية، فهل تلك الفترة غير المستقرة، بعد الثورات العربية المغدورة، بداية لنهضة حقيقية للأجيال القادمة؟
لم تأخذ الثقافة السياسية مجراها في المجتمع، بسبب تدجين السلطة معظم المثقفين المصريين والعرب. لم يكن هناك نقاش جاد ومتكامل حول المشروع الذي نلتف حوله، وكيف يكون التغيير وإلى ماذا، وما الخطوات نحو التغيير بعد رحيل رأس السلطة، وهذا ما مكّن الفصيل الأكثر جاهزيةً وانتهازيةً للقفز على السلطة، إلى أن استطاع النظام القديم العودة بعد "3 يوليو".
لم يسبق ثورة يناير تمهيد فكري وفلسفي، مثل الذي حدث مع الثورات الكبرى، كالثورتين الفرنسية والبلشفية، وهي ثورات غيّرت العالم، وحتى الأفكار والسياسة التي ننادي بها جميعا الآن، في مصر والوطن العربي، هي نتاج أفكار فلسفية أو ثقافية، معظمها غربية، فالرأسمالية نظام سياسي معتمد على الليبرالية، والاشتراكية نتاج الأفكار الفلسفية حول العدالة والمساواة، وكذلك القومية نزعات سياسية تقوم على وحدة القوم أو اللغة أو الدين أو الجنس. لذلك، لا تتوقف الأصولية على الإسلاميين، فهناك أصوليات عسكرية وعلمانية واشتراكية وليبرالية وقومية. وإذا كان الإسلاميون يتحدثون دائماً عن الماضي والخلفاء الراشدين، وأن النجاة في العودة إلى الماضي، والنقاء قبل المعاصي والبدع، فستجد كذلك من يترحم دائماً على الستينيات وحلم الوحدة والخطب السياسية التي كان يسمعها كل العالم العربي.
إنها الذكريات والمشاعر والخطب وأغاني عبد الحليم حافظ. لذلك، يجب انتظار عودة جمال
ما زلنا نعيش في صراعات أيدلوجيات الماضي وحساباته وأحزابه ورموزه وقواعده وقيمه، حتى الشباب وقعوا في الأخطاء نفسها، ما أدى إلى سرقة قوى الماضي الثورة مرتين.
لم تسبق ثورتنا نقاشات وكتابات ونظريات، كالتي سبقت الثورات الكبرى. لذلك، لم نكن مدركين ما نريده تحديداً، هل كنا نريد رحيل حسني مبارك؟ وماذا عن نظامه؟ هل حُسمت قضية علاقة الدين بالسياسة؟ هل حسم الصراع بين القومية العربية والنزعة الإسلامية؟ هل هناك فرصة للتوفيق والحديث عن الدوائر الثلاث (مصر والعروبة والإسلام)؟ هل نعيش فعلاً أزمة هُوية؟ هل حسمت علاقة العسكر بالسياسة؟ وما معنى مدنيّة الدولة؟ ولماذا دائماً علينا الاختيار بين الخبز والحرية؟ الأمن أم الديمقراطية؟ الاستقرار أم حقوق الإنسان؟ وماذا عن عهد السيسي الذي لا فيه خبز ولا حرية ولا كرامة ولا استقرار ولا أمن؟
حتى الأسئلة التي طرحتها يعود معظمها إلى الماضي وشعاراته وصراعاته. لكن، ما أنا متأكد منه أنه يجب دائماً طرح الأسئلة، ومحاولة العثور على إجابات، وعدم الاستسلام لما يُفرض علينا من أفكار وأيدلوجيات ومناهج وخطب، كأنها ثوابت أو منزّلة من السماء.
من المهم أن ندرس تجارب الماضي. ولكن، لا نعيش فيها، أو نحاول استنساخها أو إعادة إحيائها، خصوصا لو كان فيها فشل أو كوارث. ومهم جداً أن نعي الحاضر ونحلله، بعيداً عن المعلّبات ونظريات المؤامرة والتخوين. والأهم أن نفكر للمستقبل، وماذا نريد له. من الجميل أن يدرس بعضهم أيديولوجيات الماضي. ولكن، حتى الغرب، صاحب هذه الأيديولوجيات، طوّر منها وعدل الكثير، وما زال بعضنا يعبد الجمود ونظريات الماضي وتجاربه، كما هي. فهناك من يريد إعادتنا إلى الماضي، وهناك من يحكمنا، ويصرّ على تكرار التجربة الفاشلة نفسها. والصراع في مصر بين قوى الماضي والبدائل لم تظهر بعد، ولم يقدّم العرب، بشكل عام، جديداً منذ قرون، واكتفوا بالاستهلاك المتأخر لمنتجات الغرب الفكرية والصناعية والتكنولوجية، فهل تلك الفترة غير المستقرة، بعد الثورات العربية المغدورة، بداية لنهضة حقيقية للأجيال القادمة؟