ومنذ 10 مايو/ أيار الحالي، بدا أنّ الموقف التركي من تصعيد النظام وروسيا غير المسبوق منذ اتفاق سوتشي الموقّع في سبتمبر/ أيلول الماضي قد أخذ منحى جديداً، بعد حديث وزير الدفاع يومها، خلوصي أكار، عن أنّ "النظام السوري يحاول توسيع منطقة السيطرة جنوب إدلب، بما يتعارض مع اتفاق أستانة". وقد جاء حديث أكار وقتها، بعد أن كان قد بدأ زحف قوات النظام البري، انطلاقاً من تل عثمان، نحو كفرنبودة، ولاحقاً قلعة المضيق، بريف حماة الشمالي.
وفيما بدا حينها أنّ دفاعات الفصائل التي تحاول صدّ الهجوم ضعيفة وغير متماسكة، فإنّ ما ظهر لاحقاً برهن عكس ذلك، إذ بدت الفصائل أكثر قدرة على صدّ القوات المُهاجمة. ويُعتقد أن ذلك يعود لسببين أساسيين: الأول امتصاص الصدمة الأولى لهجوم النظام البري الذي جاء بعد أيامٍ من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الكثيف، والثاني هو وصول أسلحةٍ نوعية، حسّنت موقف الفصائل ميدانياً، وثبّتت خطوط الجبهات التي كانت تتغيّر مع تقدّم قوات النظام.
ومما بات مؤكداً أنّ استخدام صواريخ "التاو" و"الكونكورس" الموجهة المضادة للدروع من قبل المعارضة، بعد وصول النظام إلى قلعة المضيق، أعاق تقدّم قوات الأسد، وغيّر نسبياً الميزان العسكري على الأرض، وذلك رغم أنّ القوات المهاجمة واصلت الزحف بعد قلعة المضيق، وبسطت سيطرتها في قرى عديدة، أبرزها المستريحة والحمرا والحويز والشريعة.
وإضافة إلى ظهور الصواريخ المضادة للدروع في شمال غرب سورية بعد أن كانت قد غابت عن المشهد الميداني هناك منذ أشهر طويلة، فإنّ مؤشراً آخر قد يعطي دلالة على طبيعة المباحثات (العسكرية والسياسية) التركية الروسية الحاصلة، وهو وصول المئات من مقاتلي "الجيش السوري الحرّ" من مناطق "درع الفرات" نحو جبهات القتال الساخنة بريف حماة الشمالي الغربي، وهو ما أكدته بعض الفصائل رسمياً، إضافة إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت لأرتال المؤازرات خلال الأيام الثلاثة الماضية.
ويعدّ تحرُك هؤلاء المقاتلين لمؤازرة جبهات القتال المشتعلة، في شمال غرب سورية (ريف حماة الشمالي)، الأول من نوعه منذ بداية عملية "درع الفرات" في أغسطس/ آب 2016، وهو ما يعني أنّ "الجيش الحر"، سواء الموجود في شمال غرب حماة، أو في شمال شرق حلب (درع الفرات)، يتحسّب لمعارك أقوى من تلك التي شهدتها جبهات القتال، ابتداءً من 7 مايو/ أيار الحالي.
يضاف إلى ذلك أنّ "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، التي تحتكر لنفسها السيطرة في بعض الجبهات، وشنّت حملات عسكرية عدة ضدّ "الجيش الحر" وباقي الفصائل التي تتنازع معها السيطرة في شمال غرب البلاد، أوحت وصرحت غير مرة خلال الأيام القليلة الماضية بأنّ الجبهات المشتعلة مفتوحة أمام جميع الفصائل. وقد أتاحت "الهيئة" عودة بعض مجموعات "حركة أحرار الشام"، ممن أجبرتها سابقاً على الانتقال من مناطقها بريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، نحو أرياف حلب في "درع الفرات" و"غصن الزيتون".
وكانت لافتةً كثافة الاتصالات التركية-الروسية في الأسبوع الأخير، بما فيها الاتصال بين الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، يوم الثالث عشر من الشهر الحالي، والذي خرجا خلاله بمجموعة عمل مشتركة، التقت يومي الخميس والجمعة الماضيين في أول اجتماعاتها بالعاصمة التركية أنقرة، ليعقب ذلك الحديث عن "الهدنة" لثلاثة أيام في إدلب وحماة، رغم عدم الإعلان عنها رسمياً.
وفي سياق الاتصالات بين الجانبين، فقد شهدت الأيام الأخيرة كذلك اتصالين بين وزيري دفاع البلدين، خلوصي أكار وسيرغي شويغو، لمناقشة الوضع في إدلب، وسط تأكيدات على أنّ المحادثات تسعى لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق تفاهمات أستانة وسوتشي.
لكن بالتزامن مع هذه المحادثات، فإنّ الجيش التركي واصل تعزيز نقاط مراقبة له في شمال غربي سورية، خصوصاً قرب أكثر المناطق اشتعالاً في المعارك، أي نقطة شير المغار عند جبل شحشبو، شمال غرب حماة.
جبهة ريف اللاذقية
وإذا كانت الوقائع الميدانية، في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، قد استقرت في ظلّ هدوء نسبي عند الخطوط التي توقفت عندها قوات النظام، رغم بعض المؤشرات التي تشي بأنها ليست نهائية في المستقبل القريب، فإنّ جبهة ريف اللاذقية الشمالي، وتحديداً عند تلة كبانة، تبدو أقلّ استقراراً، مع مواصلة قوات الأسد محاولات تقدمها هناك، بقيادة الفرقة الرابعة. وتستميت القوات المهاجمة لتحقيق تقدم في كبانة، لما لهذه التلة من أهمية استراتيجية، تجعل منها بوابةً لجسر الشغور في غربي إدلب، وسهل الغاب شمال غرب حماة.
وفشلت محاولات قوات النظام للتقدّم في تلة كبانة، رغم أنها ترافقت مع غطاء سلاح الجو، من مروحياتٍ تقصف البراميل، وطائرات حربية تضرب الصواريخ، نحو التحصينات الدفاعية في المنطقة الجغرافية الصعبة.
وفيما ظهرت في أرياف حماة وإدلب أسلحة نوعية وذخائر وإمدادات ومؤازرات عسكرية للفصائل العاملة هناك، فإنّ جبهات ريف اللاذقية، ولا سيما في كبانة ومحيطها، قد تشهد أيضاً خلال الفترة المقبلة مزيداً من الحملات العسكرية. فقوات النظام مندفعة بقوة للتوغل هناك، وتسعى بداية للسيطرة على كبانة والمرتفعات المحيطة بها، لأن ذلك سيمنحها السيطرة نارياً على مساحات واسعة، تُمهد لها الطريق إلى غربي إدلب، وريف حماة.