إدلب: هل يشعل "أم 4" مواجهة بين تركيا و"النصرة"؟

28 ابريل 2020
تصر أنقرة على تسيير الدوريات المشتركة (Getty)
+ الخط -
تفتح المواجهة المحدودة بين عناصر من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وقوات الجيش التركي المنتشر في إدلب، يوم الأحد الماضي، الباب أمام احتمال مواجهة أكبر وأكثر اتساعاً، مع إصرار أنقرة على تطبيق اتفاق موسكو الأخير الموقّع في 5 مارس/ آذار الماضي، والذي يقضي في أحد بنوده بفتح الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4" المار من إدلب، أمام الحركة التجارية والطبيعية، فيما كشفت مصادر تركية لـ"العربي الجديد"، عن انعقاد اجتماع، الأحد، بين الجانب التركي وممثلين عن الهيئة لبحث هذه التطورات الخطيرة، مع إصرار أنقرة على تسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي. بينما ترفض "هيئة تحرير الشام" فتح طريق "أم 4" وتسيير الدوريات، وتدعم اعتصامات على الطريق تحاول إظهارها على أنها شعبية.

وتشير المعلومات إلى أن هذه الاعتصامات ينفذها أساساً عناصر من الهيئة وموظفون في "حكومة الإنقاذ" التابعة لها، ومن ينضم إليهم من المدنيين المعارضين لفكرة الاتفاق بصيغته الأخيرة، وهذا ما اتضح خلال المواجهة الأخيرة، الأحد، بين الأتراك والمعتصمين على الطريق، فبعد الكشف عن الخسائر، تبيّن أن القتلى من المعتصمين هم إما عناصر في "هيئة تحرير الشام" أو موظفون في "حكومة الإنقاذ".

وشهد أمس الأول الأحد، مقتل خمسة عناصر من "تحرير الشام" وإصابة آخرين، إضافة إلى إصابة عدد من الجنود الأتراك، نتيجة مواجهات بين الطرفين في محافظة إدلب على خلفية محاولة الجيش التركي فضّ اعتصام على طريق حلب - اللاذقية "أم 4". ففي الساعات الأولى من صباح الأحد، اقتربت مدرعات تركية من خيام الاعتصام على طريق "أم 4" قرب بلدة النيرب، شرق مدينة إدلب، وقام بعض العناصر بإزالة السواتر الترابية التي أقامها المتظاهرون هناك، ليعترض المعتصمون طريقهم، فقام الجنود الأتراك بإلقاء قنابل مسيلة للدموع على المعتصمين الرافضين لفتح الطريق وأطلقوا النيران بشكل مباشر، ما أدى إلى مقتل خمسة منهم وإصابة آخرين بجراح. وبحسب مصادر في إدلب، فإن معظم المعتصمين هم موظفون في "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"تحرير الشام"، التي نصبت الخيام وقدمت لهم الطعام والشراب للاستمرار بالاعتصام.

إثر ذلك، قام عناصر من الهيئة باستهداف نقطة تركية قرب بلدة النيرب بقذائف الهاون على خلفية مقتل المعتصمين الخمسة، ليرد الجيش التركي على هذه الخطوة من خلال طائرة مسيّرة استهدفت مربض الهاون الذي انطلقت منه القذائف، ما أسفر عن تدميره ومقتل وجرح عدد من عناصر الهيئة. وعاد عناصر الهيئة للرد على الجنود الأتراك باستهداف جرافة تركية بصاروخ مضاد للدروع، لتعاود طائرة مسيّرة تركية استهدافهم.

وشهدت المنطقة الواقعة غرب مدينة سراقب، وسط إدلب، استنفاراً من قبل مقاتلي "تحرير الشام" الذين احتشدوا في المنطقة بعد الحادثة، مع تحركات مماثلة لمجموعات من الجيش التركي. كما قطع مناصرون للهيئة طريق مدينة إدلب - معبر باب الهوى، قرب بلدة حزانو في الريف الشمالي، ومنعوا آليات تركية من العبور. وعاد الهدوء أمس ليخيّم على المشهد، من دون تبدّل في المعطيات على الأرض، إذ لا تزال السواتر الترابية في مكانها على الطريق الدولي، ولم يحاول الجيش التركي إزالتها مجدداً.

في غضون ذلك، كشفت مصادر تركية في وزارة الخارجية لـ"العربي الجديد"، عن انعقاد اجتماع، الأحد، بين الجانب التركي وممثلين عن الهيئة بوساطة أطراف مقربة من أنقرة لبحث التطورات الخطيرة ميدانياً، موضحة أن "الجانب التركي كان مصراً على طلبه فتح الطريق الدولي أم 4 من أجل تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة. وبهدف ممارسة المزيد من الضغوط، نفذت طائرات تركية مسيّرة قصفاً على مركبة تعود للهيئة، ما أدى إلى مقتل عنصرين من الهيئة كانا فيها، في رسالة واضحة على الجدية التركية"، موضحة أن "الهيئة هي الجانب الأضعف وعليها الاستجابة للمطلب التركي".

وعن إمكان أن تسرّع التطورات الميدانية الأخيرة العملية التركية من أجل القضاء على التنظيمات الراديكالية في المنطقة، بعد التصعيد الذي حصل قبل قرابة شهر بمقتل جنديين تركيين باستهداف مدرعة تركية، أشارت مصادر ميدانية رفيعة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أنقرة تسيطر بشكل كبير على سماء المنطقة، وتعرف تحركات وأهداف التنظيمات الراديكالية، وهناك جهود على مستوى استخباري سري تجري من أجل تغيير بنية هيئة تحرير الشام، أو دمجها بالفصائل"، مؤكدة أن "الخطة التركية الروسية لا تزال قائمة في المنطقة بتسيير الدوريات المشتركة، على الرغم من إعاقتها من قبل عناصر الهيئة الذين يموهون أنفسهم بلباس المدنيين". ولفتت المصادر إلى أن "تركيا لديها مخططات لفرض السيطرة على ما تبقّى من منطقة خفض التصعيد، تماماً كما في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، ولهذا فهي تعمل على إيجاد حل لمشكلة التنظيمات الراديكالية، ونظراً لأن الجيش التركي يفضّل أن تكون آخر الحلول هي العسكرية والقتال، فإن أنقرة تعمل على خفض التوتر في المنطقة، مع الاستمرار بالتلويح بيد من حديد، حتى تحين الفرصة المناسبة من أجل استكمال السيطرة على المنطقة والانتقال بها إلى وضع ينزع فتيل الاتهامات التي تقودها روسيا ضد المنطقة، باحتوائها على منظمات إرهابية".

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى المحلل والصحافي التركي هشام غوناي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "محاربة هيئة تحرير الشام بل وإنهاءها، أمر تعهدت به تركيا لروسيا خلال كافة الاتفاقات معها، ولا سيما اتفاق موسكو الأخير. وسابقاً كان هناك قصف عشوائي روسي ومن قبل النظام ضد المدنيين ما أدى إلى مجازر كبيرة وحركات نزوح بالآلاف، بحجة وجود هيئة تحرير الشام في إدلب، وعليه، وبناء على ما تعهدت به في موسكو، على أنقرة أن تنهي هذا التنظيم في أسرع وقت، وإلا فإن القصف سيعود على المدنيين بالحجة ذاتها، وستكون ذريعة النظام أن تركيا لم تف بتعهداتها ولم تتعامل مع ملف الهيئة كما وعدت". وأضاف غوناي أن "عملية إنهاء هيئة تحرير الشام أو التعامل معها ليست سهلة، خصوصاً أن التنظيم يتغلغل في المدن والقرى وبين المدنيين، والمواجهة في الأماكن المأهولة تكون صعبة جداً بالنسبة لتركيا، فهي تتحمل مسؤولية كبيرة في حماية المدنيين ولا يجب أن تقع بأخطاء حيال هذا الأمر، وبالتالي ستكون محط نقد واتهام، ليس من المجتمع الدولي وحسب، بل كذلك من الداخل التركي والمعارضة، في حال أقدمت على خطوة ذهبت بأرواح مدنيين أبرياء".

وعن اشتباكات الأحد، رأى غوناي أن "تركيا تتأنى في كل خطوة عسكرية تريد الإقدام عليها حالياً، لأن الأولويات الحالية في الداخل التركي تصب لصالح إنهاء تفشي وباء كورونا في البلاد، كون الحكومة تعاني من ذلك، ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد أسوة بدول العالم، ولذلك فإن إنهاء أو التعامل مع تحرير الشام بعملية عسكرية واسعة أمر صعب ومستبعد في الوقت الراهن"، مضيفاً أن "أنقرة قد تختار مواجهة التنظيم من خلال الوحدات المدربة على حرب الشوارع، ولديها هذه الوحدات التي تعاملت سابقاً مع تنظيمات مشابهة كالمجموعات الكردية، لكن الأفضل محاصرة هذا التنظيم وقطع الإمدادات العسكرية واللوجستية عنه، وهذا خيار أمام تركيا، فعملية حصاره ستشجع حتى المدنيين في الأماكن التي ينتشر بها على الانتفاض في وجهه من دون أن يتحمّلوا الكثير من الخسائر، بسبب الضعف الذي ستسبّبه المحاصرة لجسد التنظيم وبنيته".

من جهته، أشار الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المواجهات التي حدثت الأحد بين القوات التركية وتحرير الشام هي تطور غريب خارج المألوف، غالباً هو خارج السياق العام، إذ تحرص تركيا على عدم الدخول في مواجهات داخل مناطق الفصائل، لا سيما مع الاختلاط بين المسلحين والمدنيين"، مضيفاً أنه "لا قدرة ولا إرادة لهيئة تحرير الشام أو الفصائل الأخرى على الذهاب بعيداً بالخلافات أو المواجهات مع الحليف والشريك الوحيد الذي أوقف تقدّم النظام والقوات الروسية، لذلك لا يُتوقع أن تستمر أو تكبر هذه المواجهات والتوترات، حتى وإن كانت قد أدت إلى سقوط ضحايا وتبادل نيران، في حين أنه من المهم إدراك الأثر السلبي الذي ينعكس على هيئة تحرير الشام بالنظر إلى أنها غير قادرة على ضبط المشهد الداخلي على مستوى العناصر أو الحاضنة".

ورأى علوان أن "تحرير الشام موافقة على فتح الطريق الدولي وتسيير الدوريات على طوله، بل أكثر من ذلك، فالهيئة حريصة على فتح معبر تجاري مع النظام من سراقب يضمن لها مكاسب تجارية وعمولات، كما يكسب المنطقة حركة تجارية تخفف الضغوط عن حكومة الإنقاذ، لذلك أظن أن الاعتصامات والمماطلات في فتح الطريق هي أدوات تفاوضية لأمور أخرى، بعضها يتعلق بطبيعة الاتفاق التركي - الروسي وآثاره على المنطقة، لا سيما في جبل الزاوية، وبعضها يتعلق بالمصير وتخوفات وتحديات الوجود والاستمرار بالنسبة للهيئة".

وفي وقت سابق بعد إبرام اتفاق موسكو في 5 مارس، حاولت القوات التركية فضّ الاعتصام على طريق "ام 4"، لكن المعتصمين المدفوعين من "تحرير الشام" تصدّوا لها، فسيّرت أنقرة دوريات منفردة ما بين قرية محمبل، غرب إدلب، وبلدة النيرب شرقها، بينما اقتصر سير الدوريات الروسية على المنطقة الواقعة بين سراقب والنيرب. ويندرج تسيير الدوريات في إطار تنفيذ الاتفاق المشترك مع موسكو. وكان من المقرر انطلاق الدوريات في 15 مارس، إلا أن معتصمين تجمّعوا في قرية النيرب على الطريق نفسه، منعوا الآليات الروسية من المرور. وجاء اتفاق موسكو بعد تقدّم واسع لقوات النظام بدعم روسي وإيراني في "منطقة خفض التصعيد"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي وحلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي، ما استدعى تدخلاً تركياً في زيادة نقاط مراقبتها في إدلب بداية الأمر، ومن ثم شن عملية عسكرية ضد قوات النظام على أثر مقتل جنود أتراك، إلا أن العملية توقفت من خلال الاتفاق الأخير، وسط تكهنات بانهيار الاتفاق في أي وقت.
المساهمون