جاء إدراج الإمارات في قائمة أوروبية سوداء لدول الملاذات الضريبية، ليزيد من مأزق البنوك والعقارات والتعاملات التجارية في الدولة الخليجية، التي يواجه اقتصادها ضغوطاً متزايدة، تنذر بتصدع العديد من القطاعات الحيوية.
وتبنت حكومات الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء الماضي، قائمة سوداء موسعة للملاذات الضريبية، أضافت إليها الإمارات ومناطق تابعة لبريطانيا وهولندا، في تعديل زاد عدد المناطق والدول المدرجة على القائمة إلى ثلاثة أمثال، وذلك بعد الكشف عن انتشار عمليات للتهرب الضريبي على نطاق واسع، تستخدمها الشركات والأفراد الأثرياء حول العالم.
وتواجه الملاذات المدرجة على القائمة السوداء أضرارا تلحق بسمعتها وقيوداً أكثر صرامة على التعاملات مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما على صعيد القطاعين المصرفي والتجاري.
وقال مسؤول في أحد بنوك الاستثمار الإقليمية إن "وضع الدولة على القائمة السوداء للملاذات الضريبية سيؤثر حتما على القطاعات المصرفية والاستثمار، وربما يطاول العقارات أيضا، فهي جميعا تدور في حلقة واحدة وسيكون هناك تداعيات لا يمكن إنكارها".
وأوضح المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ"العربي الجديد" لنشاطه قي الإمارات، أن "القائمة السوداء ستؤدي إلى خلق قيود على التعاملات مع المصارف في الدولة ومراقبة الكثير من العمليات إن لم يكن جميعها، كما أن القطاع الخاص والشركات الأوروبية التي لديها تعاملات مع الإمارات أو تتجه لضخ المزيد من الاستثمارات ستكون في خانة المراقبة".
وتابع أن هذه القيود وحالة المراقبة ستحد من نمو العديد من القطاعات في الدولة، التي تسعى الحكومة فيها إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال لتنشيط الاقتصاد، لاسيما العقارات والقطاع المصرفي.
ورغم إعلان الاتحاد الأوروبي قبل نحو أسبوع عن أنه يدرس إدراج الإمارات على القائمة السوداء للملاذات الضريبية، قبل أن يصدر، الثلاثاء الماضي، القائمة النهائية، إلا أن رئيس اتحاد مصارف الإمارات عبد العزيز الغرير، قال في مؤتمر صحافي، أمس الأربعاء، إن قرار الاتحاد الأوروبي يرجع إلى "ضعف التواصل" بين الاتحاد الأوروبي والحكومة الإماراتية.
وأضاف الغرير، وفق ما نقلت رويترز: "نحتاج للتواصل، أتفهم الأسباب، وأنا متأكد من أن الإمارات سترغب في أن تكون موطنا عالميا، أنا على يقين من أن هذا الأمر سيتم حله في المستقبل القريب".
وتقوم دول الملاذ الضريبي، وفق المؤسسات المالية الدولية، باتباع إجراءات مصرفية في الغالب، تساعد عملاءها الأجانب على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية، ما يقدم إغراءات للأفراد أو الشركات للانتقال إلى هذه الدول والمناطق حول العالم.
وتمنح هذه الملاذات التي توصف بـ"الجنان الضريبية" حماية وحصانة للأثرياء من ملاحقات محققي ومحصلي الضرائب الدوليين، إذ يصعب على هؤلاء متابعة أموال الأثرياء، التي يمكن أن تكون خاضعة لضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية.
ومن الشائع الحصول على إقامة في الإمارات، وإنشاء شركة هناك واستخدام ضريبة المقيم، التي تأتي معها لمنع تدفق المعلومات إلى السلطات الضريبية في أماكن أخرى.
وبينما أرجع رئيس اتحاد المصارف الإماراتية، إدراج بلاده في القائمة السوداء إلى ضعف التواصل مع الاتحاد الأوروبي، قالت الحكومة في بيان أوردته وكالة الأنباء الإماراتية "وام" مساء الثلاثاء، إن الإمارات "زودت الاتحاد الأوروبي بجدول زمني مفصل يتضمن سلسلة الإجراءات التي يتم تنفيذها وبما يتوافق مع الإجراءات القانونية السيادية والمتطلبات الدستورية".
وأضافت أن "هذه الخطوة جاءت على الرغم من التعاون الكبير والوثيق الذي أظهرته مع الاتحاد الأوروبي وسعيها الحثيث لتلبية كافة المتطلبات الخاصة بهذا الشأن".
وانعكس التصنيف الأوروبي على سوق المال في أبو ظبي، ليتراجع المؤشر العام للسوق في نهاية تعاملات، أمس، بنسبة 0.86 في المائة، ليصل إلى مستوى 4819.83 نقطة، متأثرا بهبوط قطاع البنوك والاتصالات.
ويأتي إدراج الإمارات في القائمة السوداء في وقت تتزايد المؤشرات السلبية عن الاقتصاد. وكشفت بيانات صادرة عن الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في وقت سابق من مارس/آذار الجاري، عن دخول الاقتصاد الإماراتي في مرحلة ركود، ما ينذر بتعرض القطاعات المختلفة لمزيد من الضغوط، بينما بدأت حالات التعثر المالي تربك الشركات والبنوك على حد سواء خلال الأشهر الماضية.
وأظهر التقرير أن معدّل التضخم دخل النطاق السالب على أساس سنوي، مسجلاً 2.39 في المائة خلال يناير/ كانون الثاني الماضي. ويأتي تسجيل التضخم معدلات سلبية لأول مرة منذ عام 2017، وفق البيانات المتاحة من الهيئة الاتحادية، والتي أوردتها وكالة الأناضول، يوم الإثنين الماضي.
والتضخم السالب يشير وفق تصنيف المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي، إلى تراجع النشاط الاقتصادي وتراجع الائتمان بسبب انخفاض المعروض النقدي، ما يؤثر بشكل ملحوظ على الإنتاج ويدفع للركود ويزيد من معدلات البطالة والتعثر المالي.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد ذكرت في تقرير لها في يناير/ كانون الثاني الماضي أن بنوك الإمارات تتصدّع من جراء ارتفاع معدلات التعثر، مع ارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع أسعار العقارات، وتضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل التراجع الاقتصادي للدولة.
وحسب تقرير صدر عن وكالة "نايت فرانك"، كبرى وكالات العقارات العالمية، ومقرها في لندن، فقد انخفضت أسعار العقارات في إمارة دبي بنسبة 25 في المائة منذ عام 2015.
وأشار التقرير، الذي نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" جزءاً منه في منتصف فبراير/ شباط الماضي، إلى أن بريق دبي التي كانت في السابق من أهم مراكز الجذب العقاري في العالم، خاصة بالنسبة للأثرياء، بدأ يخفت، في الآونة الأخيرة.
وحسب الوكالة، فإن دبي كانت المدينة الأسوأ أداءً من حيث أسعار العقارات، خلال العامين الماضيين.
ومن بين العوامل العديدة التي أشارت إليها وكالة "نايت فرانك" انخفاض أسعار النفط، والاضطراب السياسي في المنطقة العربية. لكن هناك عوامل مهمة أخرى، من بينها خسارة إمارة دبي للاستثمارات العقارية التي كانت تتدفق عليها من أثرياء السعودية.
وأسهمت الهجمة الشرسة من قبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الأثرياء في المملكة، تحت ما يسميه حملة "مكافحة الفساد"، في تجميد الثروات السعودية ومخاوف الأثرياء من الاستثمار في دبي، خاصة أن القيادة السياسية في الإمارات تربطها علاقات قوية مع بن سلمان.