إدانة مبارك وشبح يناير

11 يناير 2016
+ الخط -
لن تكون إدانة حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء، في قضية القصور الرئاسية، الخطوة الوحيدة نحو التهدئة والاحتواء قبل 25 يناير. ويمكن بسهولة توقع خطوات أخرى، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين والمختفين، خصوصاً من الشباب، وتفعيل مجلس "رعاية شهداء ومصابي ثورة يناير" المجمد فعلياً منذ عامين ونصف. لكن، يظل لإصدار حكم قضائي نهائي على الرئيس المخلوع وولديه أهمية خاصة، فهو حكم الإدانة الأول من نوعه لأيٍّ من رموز مبارك، في مئات القضايا والبلاغات التي نظرها القضاء المصري، بعد ثورة 25 يناير، خصوصاً أن مبارك ووزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وقيادات سابقين في "الداخلية" حصلوا على براءة قضائية من قتل المتظاهرين، وهي القضية الأخطر من منظور جنائي، والأكثر مفصلية في توصيف و"تعريف" يناير. وبدا حكم التبرئة كما لو كان إعلاناً بردّ الاعتبار واستعادة المكانة للمتهمين، حتى أن القاضي قال لهم بلهجة تمزج الزهو بالاعتذار: "عودو إلى مقاعدكم".
الفارق شاسع بين اتهامٍ بالقتل والإدانة بالفساد. فالأول عقوبته الإعدام، فضلاً عن أنه مفتاح لإدانة مؤسسات نظامٍ بقياداتها وأفرادها وآليات عملها. من ثم، كانت الإدانة بقتل المتظاهرين ستمثل انتصاراً لثورة يناير، وحكماً قضائياً بضرورة "إسقاط" النظام. وتفتح باباً واسعاً لمحاكمة كل مسؤولي هذا النظام وحوارييه، بمن فيهم العشرات الذين استمروا في مواقع المسؤولية، أو عادوا إليها بعد خلع مبارك. لم تكن مؤسسات النظام لتتحمل ضربة قانونية من هذا النوع، كانت ستعصف بالفعل بتلك المؤسسات، وتزلزل أركان النظام، بل ربما كانت ستقتلعه من جذوره.
مقابل إغلاق ذلك الباب الواسع، ثمة باب خلفي من شأن البراءة الشاملة أن تجعله مخرجاً لآل مبارك نحو استعادة المجد المفقود والعودة إلى السياسة ومن ثم السلطة والثروة. ذلك الباب هو تمتع مبارك ونجليه بحقوقهم المدنية والسياسية كافة، ما يعني الأحقية في مزاولة العمل السياسي مجدداً. من هذه الزاوية، تظهر أهمية الحكم الذي صدر، أول من أمس السبت، بحق عائلة مبارك، فنهب المال العام جريمة مُخلة بالشرف، تحرم مرتكبها حقوقه السياسية. لولا هذه النتيجة، ما كان لإدانة مبارك ونجليه أي وزن أو قيمة، سوى تغريمهم 20 مليون دولار. وهو مبلغ لا يساوي شيئاً مقارنة بمئات المليارات من أموال المصريين التي أهدرت، أو نُهبت بين فساد وإفساد.
قد تبدو تلك الإدانة خطوة نحو إغلاق ملف آل مبارك السياسي والقضائي، غير أن ثبوت التعدّي على الأموال العامة في قضيةٍ تخص ممتلكات شخصية، لا بد أن يثير التساؤل عن سلوك مبارك وآله، مالياً وإدارياً وكيفية إدارة أموال الدولة في المؤسسات العامة، في العقود الثلاثة المباركية، خصوصاً السنوات الخمس الأخيرة منها. ولا بأس هنا من التذكير بالمقبرة الفخمة التي بنيت لمبارك، ورحلات جمال الخارجية لدولٍ عديدة، مرافقاً لأبيه أو بمفرده. ومصادر تمويل مقار جمعية جيل المستقبل، ومقار الحزب الوطني وممتلكاته وأمواله. والحديث هنا ليس عن مبارك وعائلته فقط، وإنما عن مسؤولين كُثر كانوا طرفاً مباشراً في الفساد المالي، والاعتداء على أموال المصريين وممتلكاتهم، بمن فيهم الذين تورطوا في جريمة القصور الرئاسية التي دين فيها مبارك.
فإذا كان بعضهم يرى في إدانة مبارك، في هذا التوقيت، بعداً سياسياً للتهدئة، قبل ذكرى 25 يناير، فإن الحكم الذي يقطع على جمال مبارك طريق العودة إلى السياسة، قد يحيي مجدداً لدى مؤيدي ثورة يناير، والمؤمنين بها، روح القصاص والمحاسبة، إن لم يكن على الجرائم الجنائية التي وقعت في أيامها الثمانية عشرة، فعلى الفساد المالي والسياسي الذي ساد عهد مبارك سنوات، إنْ لم تكن عقوداً.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.