إخفاق الانتحاريين... انكشاف "داعش" في الجزائر

21 ابريل 2017
شدد الجيش إجراءاته في كل المناطق (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الثانية في غضون شهر ونصف الشهر نجت مدينة قسنطينة، شرقي الجزائر، من عملية انتحارية دامية، خططت لتنفيذها خلية "كتيبة الغرباء" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وللمرة الثانية على التوالي يخفق عناصر "داعش" في تنفيذ عملية استعراضية، وتنجح أجهزة الأمن الجزائرية في إحباط محاولة تفجير انتحاري، كان يمكن أن تعيد سيناريو مسلسل التفجيرات الانتحارية التي شهدتها الجزائر في العام 2007.

وما زالت خلايا صغيرة تابعة لتنظيم "داعش" تحاول خلط الأوضاع الأمنية المستتبة نسبياً في الجزائر، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في الرابع من مايو/ أيار المقبل. إذ فجر انتحاري، يدعى "أبو صهيب"، نفسه قرب مدخل مدينة قسنطينة، بعد انكشاف أمره، وذلك خلال توجهه مع آخر على متن دراجة نارية لاستهداف مركز أمني وسط المدينة. وتم اعتقال الشخص الذي كان يرافق الانتحاري، ويدعى "أبو الهيثم".
ويصف مسؤول أمني رفيع المستوى في مدينة قسنطينة، لـ"العربي الجديد"، اعتقال مرافق الانتحاري بالجزء الأبرز في العملية الأمنية الناجحة، على اعتبار أن القوى الأمنية تلقي، للمرة الأولى، القبض على عنصر من "كتيبة الغرباء"، التابعة لـ"داعش". وكانت الخلية نفذت عمليتين، الأولى اغتيال ضابط في الشرطة داخل مطعم في قسنطينة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، والثانية محاولة تفجير انتحاري لمركز أمني وسط المدينة في الثالث من مارس/ آذار الماضي. وقد يمثل العنصر، الذي تم إلقاء القبض عليه، خزاناً من المعلومات التي ستمكّن أجهزة الأمن الجزائرية من تفكيك "كتيبة الغرباء" ومعرفة امتداداتها وارتباطاتها الداخلية والخارجية وطرق تمويلها. ويضيف المسؤول "منذ فترة طويلة ونحن نتابع تحركات عناصر الخلية، ونحاول الوصول إلى أية أجزاء أو معلومات تقربنا من تفكيك الخلية. في وقت سابق لم نتمكن من اعتقال أي شخص منهم، بمن فيهم أمير الخلية، الذي قتل قبل أيام، لكن توقيف أحد عناصر الخلية الداعشية سيمثل تحولاً كبيراً بالنسبة لنا لتفكيك الخلية".

وكانت الخلية التابعة لـ"داعش" في مدينة قسنطينة كشفت عن نفسها بشكل مباشر، بعد تبنيها بوضوح عملية اغتيال الضابط في الشرطة في أكتوبر الماضي. وكانت تلك أول عملية إرهابية تتبناها الخلية. وكان واضحاً أنها بصدد التحضير لعملية استعراضية كبيرة، أخفقت في تنفيذها مرتين، عبر محاولتها استهداف كنيسة "سانت أوغستين" في مدينة عنابة، شرقي الجزائر. إذ توصلت مصالح الأمن إلى معلومات بوجود مخطط يستهدفها، ما دفعها إلى تحصينها، فيما نجح عناصر الخلية في الهرب من قبضة أجهزة الأمن. كما أخفقت الخلية في تفجير مركز أمني وسط قسنطينة في الثالث من مارس الماضي، بعد إخفاق الانتحاري، الذي قتل، في الوصول إلى المركز الذي يقع أسفل بناية سكنية. وكان يمكن للتفجير الانتحاري، لو تم، أن يؤدي إلى مجزرة.

وكان واضحاً أن الخلية الإرهابية، التي أعلنت عن وجودها عبر تنفيذ عمليات محدودة، تسعى للقيام بعملية استعراضية. ولم يكن الوضع الأمني والنجاحات الكبيرة التي حققها الجيش والأجهزة الأمنية في الجزائر، إذ تمكن من قتل 123 مسلحاً خلال العام 2016، و36 مسلحاً منذ بداية السنة الحالية، يسمح بإعطاء فرصة للمجموعات الإرهابية لتحقيق اختراق في الجدار الأمني. وفي التاسع من مارس الماضي، أوفد جهاز الأمن الجزائري فريقاً من الخبراء الأمنيين المتخصصين في ملاحقة العناصر الإرهابية المنفردة إلى قسنطينة. وبدأ هذا الفريق في تمشيط المناطق الشعبية المحيطة بقسنطينة، بما فيها منطقة جبل الوحش، التي كانت تمثل منطقة تمركز للجماعات الإرهابية في التسعينيات. ونجح في تحديد موقع أمير الخلية، نور الدين لعويرة، المكنى بأبي الهمام، الذي قتل في 24 مارس الماضي، بعدما رفض تسليم نفسه إلى أجهزة الأمن.


ويطرح مراقبون تساؤلات عن اختيار خلية "داعش" لمدينة قسنطينة كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها، وخصوصاً أنه منذ نهاية التسعينيات، وتطهير منطقة جبل الوحش من مجموعة إرهابية كانت تتمركز هناك، لم تكن المدينة مركزاً لنشاط المجموعات الإرهابية، ولم تكن على خريطة تحركات هذه المجموعات. فما الذي تغير في حسابات الخلايا الإرهابية؟ يمكن تفسير ذلك بتوخي خلية "داعش" أن يكون لها موطئ قدم في منطقة غير أمنية، أي غير خاضعة للرقابة الأمنية المشددة مقارنة بمناطق أخرى استمر فيها النشاط الإرهابي، مثل بومرداس والبويرة وتيزي وزو، شرقي الجزائر، ما يمكن أن يسهل تحرك هذه الخلايا الدموية على الأقل في الفترة الأولى من نشاطها. لكن هناك عاملاً آخر أكثر دلالة، يتعلق بحالة الحصار التي فرضتها قوات الجيش على المجموعات الإرهابية في المناطق الجبلية القريبة من قسنطينة، مثل جيجل وسكيكدة والقل، ما دفع الخلايا الإرهابية للنزول إلى المدن، واتخاذ نقاط تموضع في الأحياء الشعبية وسط المدينة. لكن إخفاق هذه الخلايا في استقطاب عناصر جديدة، وتغير الواقع الأمني والاجتماعي في الجزائر، لم يكن ليتيح لخلية "الغرباء" في قسنطينة تنفيذ أكثر مما نفذته.

بعض التحليلات السياسية تربط بين المحاولات المخيبة لخلايا "داعش" في الجزائر وبين الاستحقاق الانتخابي المقبل، في سياق محاولة التنظيم خلط الوضع الأمني عشية الاستحقاق والتشكيك في النجاحات العسكرية. لكن في حكم المؤكد أن المجموعات الإرهابية، وبغض النظر عن الخلافات بين المجموعات الموالية لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتلك الموالية لـ"داعش"، تدرك أن تشديد الجيش وأجهزة الأمن للقبضة الأمنية في مجمل المناطق الجزائرية، لن يسمح لها بتكرار سيناريو مسلسل التفجيرات الانتحارية المروعة التي استهدفت في العام 2007 قصر الحكومة، ووزارة الداخلية، ومقر ممثلية الأمم المتحدة، والمجلس الدستوري، ومراكز أمنية وعسكرية في العاصمة الجزائرية وبومرداس، شرقي العاصمة، وورقلة، جنوبي الجزائر، بالإضافة إلى أن هكذا عمليات لم تكن ذات تأثير على استحقاق الانتخابات البرلمانية الذي جرى في السنة ذاتها.