إجراءان جنّبا الجزائر اللجوء إلى صندوق النقد

11 يوليو 2020
الاقتصاد الجزائري تحت كماشة تراجع النفط وتداعيات كورونا(Getty)
+ الخط -

تصر الجزائر على جعل صندوق النقد الدولي آخر الحلول الممكن اللجوء إليها لمواجهة الأزمة الاقتصادية، التي زادت تعقيداً سنة 2020، مع دخول عاملي جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط على الخط.

ويفضّل عضو "أوبك" التحرك على الهوامش المتوفرة لديه داخلياً وخارجياً، لتفادي الوقوع مجدداً في كماشة صندوق النقد الدولي، التي انفك منها سنة 2014 بعد تسديد الديون للمؤسسة المالية العالمية، المقدرة بـ 33 مليار دولار.

وتحاول السلطات الجزائرية عدم تضييع أي فرصة لتجديد تمسّكها بعدم العودة للاستدانة الخارجية من أجل الإنفاق العام، وبالأخص من صندوق النقد الدولي، وحصرها في حال كانت الملاذ، لتمويل المشاريع التنموية، رغم الإغراءات التي عرضتها المؤسسة المالية الأولى على الجزائر.

فمنذ انتخابه على رأس البلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خطاً أحمر تحت صندوق النقد الدولي، وهو ما شدد عليه في تصريحات إعلامية، في 4 يوليو /تموز الحالي، قائلاً إنّ " الجزائر لن تتجه لصندوق النقد الدولي، لا تزال هناك عدة خيارات منها احتياطي الصرف وإن كان منخفضاً إلا أنه يسمح للجزائر بتجاوز أزمتها".

وحسب المعلومات التي تحصل عليها " العربي الجديد" من مصدرٍ حكومي، فإنّ صندوق النقد الدولي، وعن طريق مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عرض على الجزائر مساعدته عبر اقتراح ورقة طريق تسير عليها الجزائر وبتمويل منه، شرط إدخال ما سماه الصندوق "إصلاحات هيكلية" على الاقتصاد، بخفض الإنفاق العام وميزانية الدعم المقدرة بـ 17 مليار دولار، وهو ما رفضته الجزائر بحجة وجود حلول أخرى بيدها .

طباعة النقود

تؤكد المؤشرات والأرقام الاقتصادية توغل الجزائر أكثر في نفق الأزمة المالية، وأمام شح الموارد وضيق هامش المناورة، باتت حكومة الرئيس عبد المجيد تبون الأولى أمام خيارات ضيقة، لتفادي الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي، أبرزها إعادة طباعة النقود لدعم الإنفاق العام وامتصاص جزء من تراجع العائدات.

وتراجعت عائدات النفط الجزائري، التي تمثل 93% من الصادرات، من 6.35 مليارات دولار تم تسجيلها خلال أول شهرين من 2019، إلى 4.56 مليارات دولار خلال نفس الفترة من السنة الحالية، أي بانخفاض بلغ 26%. وارتفع عجز الميزان التجاري 79% في الفترة ذاتها، من 686 مليون دولار في الشهرين الأولين من 2019، إلى 1.23 مليار دولار خلال يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2020.

ووسط التآكل المُتسارع لاحتياطي الجزائر من العملة الصعبة، الذي بلغ 60 مليار دولار، تتجه الجزائر لاستعمال أول الحلول التي تملكها، وهي اللجوء إلى التمويل الداخلي غير التقليدي، أي " طباعة النقود"، وإن كانت هذه الآلية المالية مجمدة بعدما كانت ملاذ نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من 2017 إلى 2019، الذي طبع ما يعادل 60 مليار دولار من العملة المحلية الدينار، إلا أن المؤشرات تؤكد توجه الجزائر لتشغيل آلات طباعة النقود، مستغلة فرصة إطلاق أوراق نقدية جديدة من فئات 500 و1000 و2000 دينار، بمناسبة الذكرى الـ58 لاستقلال البلاد.

وشرح الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أنّ "الظرف الذي تمر به الجزائر هو ظرف استثنائي يفرض أيضاً اللجوء إلى جميع الخيارات، ولعب الأوراق كافة لتوفير السيولة في الظرف الراهن، فالعديد من البنوك المركزية العالمية أبدت استعداداً لتبني خيار طباعة النقود لمواجهة الركود الذي ضرب الاقتصادات العالمية الكبرى، على غرار الصين والولايات المتحدة، والجزائر لن تكون الاستثناء".

وأضاف الخبير الجزائري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التمويل غير التقليدي أو ما يعرف بطباعة النقود مجمد سياسياً، أما قانوناً فهو ساري المفعول إلى غاية 2022 حسب قانون القرض والنقد المُعدل سنة 2017، شرط أن تكون عملية الطباعة وفق أرقام محددة وأن توجه الكمية المطبوعة لمواجهة أزمة كورونا، خاصة في ظل الانهيار الخطير الذي تشهده مداخيل النفط، وتسارع هبوط احتياطي العملة الصعبة".

ويوضح نور الدين أنّه "وحسب المعلومات المتوفرة فإنّ الحكومة وجدت حيلة مالية لطباعة النقود وهي طرح أوراق نقدية جديدة من دون سحب الأوراق النقدية القديمة من التداول، ما يعني طرح كتل نقدية جديدة".

وكانت الحكومة الجزائرية قد تبنت، نهاية 2017، برئاسة أحمد أويحيى، المسجون حالياً بقضايا فساد، مجموعة من التدابير المتعلقة باللجوء إلى ما يعرف بالتمويلات غير التقليدية، لسد عجز الموازنة العامة وتحريك عجلة الاقتصاد، في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة.

وحسب الخطة التي وضعتها الحكومة آنذاك وصادق عليها البرلمان، يقوم البنك المركزي بطباعة ما يعادل 11 مليار دولار سنوياً من الدينار الجزائري، على مدار 5 سنوات، يقرضها البنك للخزينة العمومية، على أن تُسدد الديون مستقبلاً، عند انتعاش أسعار النفط. لكن ما حدث هو تجاوز هذه الأرقام في السنة الأولى لنحو 60 مليار دولار، ما دفع بالرئيس الجديد عبد المجيد تبون إلى تجميد طباعة النقود.

ولاقت خطوة طباعة النقود معارضة شديدة من أحزاب سياسية وخبراء اقتصاد تخوفوا من الآثار السلبية، أبرزها ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية، إلا أن التطورات التي تعيشها الجزائر تجعل من هذا النمط التمويلي الأقرب زمنياً وتقنياً للحكومة الجزائرية، التي وضعت موازنة سنوية بـ64 مليار دولار، ومخططاً خماسياً بـ270 مليار دولار.

الملاذ الصيني

تسعى الجزائر لاستغلال تقاربها مع الصين، خاصة في ظل جائحة كورونا، للاستحواذ على تمويلات لمشاريع ضخمة من العملاق الآسيوي، عوض التوجه للاستدانة الخارجية من المؤسسات المالية العالمية، والاستفادة من خطة بكين للتوسع في القارة الأفريقية والحصول على نصيب من المخصصات المالية والاستثمارية لها، خاصة أنّ الصين تعد أول ممون للجزائر بالسلع بما يفوق 7 مليارات دولار سنوياً، وفق بيانات رسمية.

ففي 28 يونيو /حزيران الماضي، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برفع التجميد عن مشروع "ميناء الحمدانية" غربي العاصمة الجزائرية، وهو المشروع الذي عرضت الصين سابقاً تمويله عن طريق بنك "أكزيم"، بغلاف مالي فاق المليار دولار.

وفي خطوة ينتظر أن تعقبها خطوات أخرى، وحسب المعلومات التي تحوز عليها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، فإن الجزائر ستعرض على بكين تمويل مشاريع كبرى في السكن والنقل البحري والصحة والطاقات المتجددة، بعيداً عن قاعدة "51/49" المنظمة للاستثمارات، والتي تحدد حجم رأس المال الأجنبي في المشاريع بـ49% حداً أعلى، وهو ما يرفضه الأجانب في الغالب.

ويرى النائب البرلماني أحمد شريفي أنّ "موازنة 2020 رفعت القيود عن الاستدانة الخارجية، وحصرتها فقط في تمويل المشاريع الكبرى، وبالتالي وارد جداً أن تطلق الجزائر مناقصات دولية لتمويل المشاريع الكبرى، لكن أن تستدين الجزائر من أجل الإنفاق وليس الاستثمار، فهذا انتحار لا ننصح به".

وأضاف شريفي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة أمام الوضعية المالية التي تعيشها الجزائر وما ينتظرها من تحديات اقتصادية وسياسية، لم تعد عودتها إلى الاستدانة الخارجية من المحظورات والممنوعات في خطابها، وهذا ما لمسناه في كلام رئيس الحكومة عبد العزيز جراد لدى نزوله للبرلمان، والذي تعهد ألا تكون الاستدانة من الخارج الخيار الأول، بل تكون عند الضرورة، فالحكومة عازمة على رفع التحصيل الضريبي، وحشد الأموال النائمة والمتداولة في الاقتصاد الموازي".

المساهمون