إجابات تخصّ الطب النفسي

27 يونيو 2015
+ الخط -
في أوقات الصفاء، في أثناء فترة حكم الرئيس، محمد مرسي، كنت أسأل كارهيه: ما الذي جناه مرسي، كي تخرج عليه أو ضده في خلال شهور معدودة؟ كان الرد يأتيني معلّباً وجاهزاً وقاطعاً وشبه محفوظ ومن الجميع: دم جيكا وإعلان دستوري بغيض، جعل منه نصف إله. 
الآن، زادت دماء الشهداء عن الحصر، وفاقت القوانين الفردية من الجنرال عن 500، أي بواقع قانون ونصف في اليوم الواحد، أو ما يوازي 2000 جيكا و500 قانون، ولم نر لهؤلاء وقفة ضد الجنرال أمام قصر الاتحادية، أو خيمة حتى لبيع الآيس كريم، أو محاسبة أو حتى تساؤلاً، ولا حتى تعليقاً (كانت تنصب الخيام أيام مرسي، وصارت حوائط القصر متنفّساً للجميع للغرافيك والسبّ واللعن والتبول). أمس، فقط خرجوا أمام قصره بالفوانيس، وسقى الله أيام المولوتوف من ماء ورد الخيبات.
كانت الإجابات واحدة، على اختلاف مشاربهم من يسار وليبرالية متزنة ومتوحشة وواضعي دستور ودكاترة جامعات وكتّاب وفنانين ورؤساء جمعيات حقوقية، ممولة من الداخل والخارج، وناشطين سياسيين وأعضاء في أحزاب شيوعية، تحتية وعلنية، وصحافيين ومعدّي برامج في قنوات رجال أعمال لأبو العينين وساويرس، وكل كوادر تلفزيون الدولة ووزارة الثقافة (الذين هم الدولة الناعمة في الأساس)، والذين كانوا يقولون، إنه تمت أخونتها، ورؤساء أحزاب وشباب كان ثائراً على مرسي، ويملأ الميادين بالتعبير عن رفضه بالسباب، وإلقاء البرسيم أمام بيته، ومحاولة خلع باب قصر الاتحادية بونش. الكل سكت الآن، ووسط البلد بمقاهيه صار فراغاً وصمتاً بلا حتى ترقب ولا انتظار، والشعارات جفّ ريقها، واسترخت الحناجر.
في موت جيكا، طال اللوم زوجة محمد مرسي، أيضاً، وقالوا في جمل شبه محفوظة أيضاً: لماذا أدّت زوجة الرئيس واجب العزاء في إسلام، ولم تقدم الواجب في جيكا؟ وصار جيكا أشبه بقميص عثمان.
الجنرال بعد قتل ألفين لم يطالبه أحد، لا هو ولا زوجته، أن يشرب حتى فنجاناً من القهوة، حزناً على أحد مات من أنصار مرسي، أما أنصاره هو، فيذهب إليهم ببوكيهات الورد، ومن هُدمت بيوتهم في سيناء لم يدخل على أحد خيمته، ولا طبطب عليهم، كما يطبطب على أبناء أنصاره، ويأخذهم في حضنه الدافئ.
كنت تسأل من هم ضد مرسي وخصومه عن النتائج التي عملها الإعلان الدستوري. كان يقول لك: عمل منه نصف إله وقسم المجتمع نصفين. الآن، الجنرال يعلم فلاسفة أثينا الحكمة، وصارت القسمة حادة وجارحة، وتسأله: ألا تلاحظ القسمة المجتمعية الآن، وقد بانت قسماتها بوضوح؟، فيقول لك: القافلة تسير وبقية من الكلاب تعوي.
كنت تسأل كارهي مرسي عن أول قوانينه بإلغاء الحبس الاحتياطي عن الصحافيين، يرد عليك مجيباً بثقة: هي مش منّة من مرسي. الآن تقول له، إن الصحافيين في السجون، يرد عليك باسماً: هي فترة بس، عشان تنضبط البلد من الفوضى التي تركها مرسي. ثم يردف: وهل نسيت دم الحسيني أبو ضيف؟ تقول له: مع الحسيني أبو ضيف كان هناك تسعة من أنصار مرسي لم تذكرهم. يقول لك: أنا أتكلم الآن عن الحسيني، وللقضاء شأن في التسعة. تقول له: وهل يقتل مرسي تسعة من أنصاره في مقابل واحد ضده، فهذا ليس من باب العقل. كان رده: أنا أتكلم عن دم الحسيني، ولا أناقش مسألة العقل أصلاً.
إلى الآن، لم يصل القضاء إلى قاتل جيكا والحسيني أبو ضيف، وقيدت القضية ضد مجهول. تقول له، الآن، إن مرسي الذي هرب من سجن وادي النطرون، كما قالوا، على الرغم من أنه اتصل بالسلطات لكي يشرح لهم الوضع من أمام أبواب السجن كاملاً، قد حكم عليه القضاء الذي لا غبار عليه بالإعدام شنقاً، وقضية الحسيني أبو ضيف قيدت ضد مجهول، فيرد عليك: لا تعليق على أحكام القضاء. .. ويضحك بشدة.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري