إبراهيم معلوف.. جاز في جبيل

06 اغسطس 2014
+ الخط -

لم تحل الأوضاع الأمنية إياها هذا العام أيضاً دون لقاء الموسيقيين اللبناني إبراهيم معلوف والأثيوبي مولاتو أستاتكي بجمهور "مهرجان بيبلوس" في جبيل اللبنانية.

توّج معلوف مؤخراً مسيرته الحافلة بجائزة "أفضل ألبوم موسيقي في العالم"(اسم طموح للغاية بالنسبة لجائزة!) في شباط/ فبراير الماضي، التي تمنحها تظاهرة "انتصارات الموسيقى" في العاصمة الفرنسية، وذلك عن أسطوانته الأخيرة "أوهام" (2013).

ولعبت نشأة معلوف (1980) الموسيقية "العائلية" دوراً مهماً في إبراز مواهبه الفنية باكراً، وهو من تربى على تذوق الموسيقى العربية الكلاسيكية على يد والده (نسيم معلوف) عازف البوق، ووالدته (ندى معلوف) عازفة البيانو. بيد أنّ هذه التربية الموسيقية الكلاسيكية لم تحُل دون تكريسه مرتين كأفضل عازف جاز شاب في فرنسا.

ومثل عدد من الموسيقيين اللبنانيين الذين ولدوا إبّان الحرب الأهلية اللبنانية، وحصّلوا تعليمهم الأكاديمي في الغرب؛ يميل معلوف إلى توليفة موسيقية تجريبية تنحو إلى المزج بين أنغام التخت الشرقي والسلّم الموسيقي الغربي. غير أن تميزه يكمن في كونه من الموسيقيين النادرين القادرين على عزف الموسيقى العربية على الترومبيت (البوق) مستخدمين ربع الصوت (أمر لا تعرفه الآلات الغربية تقليدياً)، وهي تقنية ابتكرها وطورها والده في الستينيات.

ذروة نشاط معلوف أتت في السنوات السبع الأولى من الألفية الجديدة، حيث شارك في إحياء حفلات موسيقية مع عدد من المغنين والموسيقيين العالميين البارزين، مثل البريطاني "ستينغ"، والأميركية من أصل مكسيكي لاسا دي سيلا (1972-2010)، صاحبة الأسطوانة الشهيرة "أنين" التي ضمّنتها توليفة لفتت الأنظار من موسيقى الغجر والبلوز والكانتري، ناهيك عن إعادة إحيائها الفلكلور الغنائي اللاتيني، قبل أن تقضي بسبب السرطان في السنة التي نال معلوف فيها جائزة "موهبة العام الدولية" في العزف على الترومبيت (2010).

ويعدّ ألبوم معلوف الأخير "أوهام"، الرابع له بعد "شتات" (2007)، و"دياكرونيزم" (2009)، التي اقتبس في عنوانه مصطلحاً جيولوجياً يعبّر عن تكوُّن طبقات الأرض عبر الزمن، و"تشخيص" (2011). علاوة على تأليفه الموسيقى التصويرية لفيلم "إيف سان لوران" للمخرج برتران بونيلو الذي شارك في مهرجان "كان" هذا العام.

وسبق لمعلوف أن أحيا حفلة في "مهرجان بيت الدين" في لبنان (2012)، فيما واظب على رفض الدعوات الإسرائيلة التي لا زالت توجّه إليه للعزف في الأراضي المحتلة مع "إسرائيليين"، مشدداً في كل مرّة على ضرورة إنهاء الاحتلال، علماً أنّه لا يدّعي أن موسيقاه تحمل "رسائل" معينة، مفضّلاً وصفها بأنّها تعبير لما يجول في نفسه.

ومن أجل هذا الفضاء الذي اكتشفه داخله بالذات؛ قرّر منذ سنوات طويلة التخلي عن مشروعه الهندسي في المشاركة بإعادة إعمار لبنان "إسمنتياً" بعد الحرب، ليشتغل اليوم على إعادة إعمار روح البلد التي لا زالت تناضل ضد ما بقي من مخلفات الحرب هنا وهناك.

أما شريك معلوف في ليلته العازفُ الأثيوبي مولاتو استاتكي (1943) والذي استقر به المقام في الولايات المتحدة (بعد بريطانيا)، فيزاوج في أعماله بين تراث موسيقاه المحلية والجاز الأميركي؛ وكأنّه يعيد مجدداً، وعلى طريقته، وصْل ما انقطع بين الفضائين الموسيقيين ذويّ الجذور الإفريقية المشتركة، الأمر الذي منحه لقب "أبي الجاز الأثيوبي" من دون منازع.

معلوف - أستاتكي، مزاجان موسيقيان منفتحان يتمتعان بملكات حسيّة عالية للارتجال في عالم الجاز، وفي جعبة كل منهما خلطة أصيلة من أرض الآباء.

المساهمون