أُقدِّم لك العالم

17 يوليو 2014
ريم يسوف / سوريا
+ الخط -

كنتُ مستلقية على سريري بالمشفى الأوروبي الموحش أتأمل ما جاء على لسان أحد الكتّاب المهووسين بالرموز والماورائيات؛ عن الوردة ذات البتلات الخمس التي ترمز إلى مراحل الاكتمال الأساسية في حياة الأنثى:

- الولادة، الحيض، الأمومة، اليأس، ثم الموت.

أفكِّرُ لماذا لم يقل المخاض بدلاً من الأمومة؟ وما معنى ما أستشعره الآن؟ هل كان قدراً أن تأتي لحظة اليقين الحقيقية الوحيدة في حياتي مصحوبة بكل هذا الألم؟

ثمة فجوة في روحي.. خواءٌ وجدانيٌ يليق بثقبٍ أسودٍ هائل، أجهز عليه خروجك منِّي بزفرةٍ واحدةٍ عميقة.. أنت مستقرٌّ في حضني الآن وأنا أتأمل في أنفاسك المتسارعة بمزيجٍ من العطف والتوجس والاستغراب.

***

كنتُ أحملك بحرص، أحممك بتوترٍ مرضيِّ، وأقدم لك الحليب بأيدٍ مرتعشة، أدقق في كل ما أقدمه إليك، وأبالغ في غسل زجاجات الحليب وأطباق الطعام.. هل كانت مبالغةً في الحماية أم خوفاً استباقياً لتلك اللحظة المرعبة التي سيكون عليَّ فيها أن أقدِّم لك العالم؟

حسناً يا صغيري أنا لم أقل لك يوماً إن ما بقي لنا من العالم تركة خربة، وإن البشرية بلغت شيخوختها قبل الأوان بعاهاتٍ جسدية وخَرَفٍ مبكر، لم أقل لك شيئاً عن أدمغة الأطفال التي تنفجر في أحضان أمهاتهم في سوريا، أو البيوت التي تنسف دفئها مصادفةٌ عبثيةٌ لقصفٍ عابر في فلسطين، لم أتورط يوماً في حكاياتٍ مكرورة عن تمزُّق أرواح النساء في شوارع مصر، والآباء الذين يلعقون الموت من على ألعاب صغارهم في العراق، لم أتفوه بكلمةٍ واحدة عن جماعات التآمر أو أنبياء الحرية الذين يسقطون.

منذ اللحظة الأولى كنتُ أتجنبُ الآثار والحكايات، كنتُ أتعمد وضعك في قطيعةٍ معرفية مع تاريخ أجدادك الذي يتربص بوعيك  الصغير ككذبةٍ متَّفقٍ عليها، تمنيتُ أن أمنحك روحاً حرة، وعقلاً مفتوحاً على كل الاحتمالات.

لم أكن أعرف أن لروحك آذاناً صمَّتها أصوات المدافع والرشاشات، وعيوناً روَّعتها سينما البؤس العالمي، بصمتٍ مطبق اتخذتَ موقفَكَ من العالم، وتشبثت بأرجوحتك الأبدية مترفعاً عن كل هذا الخراب، تاركاً لي التقلب على نيران البحث والتساؤل، أُدخلُ كلمة "التوحُّد" على محرك البحث بشكلٍ يوميِّ، وأنتظر إجابة من مهندسي الجينات المشغولين بتخليق أمراضٍ حداثية تليق بإنسانِ العصر.

أنت تضن عليَّ بما يجود به حيوانٌ أليف على صاحبه، وأنا أحلم أن ألقِّنك كلمة حبٍّ واحدة أضمدني بها من كراهية هذا العالم.

المساهمون