أي ثمن لحكومة العثماني في المغرب؟

04 ابريل 2017

العثماني وزعماء الأحزاب المشاركة في الحكومة المغربية الجديدة (25/3/2017/الأناضول)

+ الخط -
تمكن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية المعين، خلفا للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من تشكيل ائتلاف حكومي يضم خمسة أحزاب إلى جانبه: التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الاتحاد الدستوري، التقدم والاشتراكية، يضاف إليهم حزب القصر ممثلا في التكنوقراط ممن ستسند إليهم وزارات السيادة، تمكن من ذلك في ظرف قياسي جدا لم يتجاوز أسبوعا، بعد انسداد حكومي تجاوز خمسة أشهر.
وقد توقع بعضهم أن تكون وراء هذه السرعة صفقة سياسية بين القصر والإسلاميين الذين أوكلوا مهمة التفاوض إلى شخصية تصنف ضمن حمائم الحزب، بعد تنحية أحد صقوره الذي رفض رفضا قاطعا تقديم أي تنازلاتٍ جديدة في مسار تشكيل الحكومة، بعد كل ما سبق (التخلي عن الاستقلال، قبول الاتحاد الدستوري، التفريط في رئاسة مجلس النواب)، معتبرا ذلك إهانة للمغاربة، وشرعنة ضمنية للانقلاب على نتائج انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
لم يعر رئيس الحكومة الحالي هذه الاعتبارات التي وضعها بنكيران نصب عينيه، وهو يتفاوض، أي قيمة، وخصوصا عندما وقع في مقر حزبه في حي الليمون بالرباط شيكا على بياض للدولة العميقة، في مقابل حفاظه على كرسي رئاسة الحكومة. والواضح أنه لم يتشاور أو يتفاوض عند تشكيله الحكومة في أي شيء، وإنما اكتفى بالانطلاقة، حيث توقف سلفه، معلنا تحويل "اللاءات" التي رفعها الرجل، طوال أشهر "البلوكاج"، في وجه السلطوية، أو من ينوبون عنها في المفاوضات، إلى "نعم" تولدت عنها الحكومة الحادية والثلاثون التي سوف تبقى حكايتها راسخة في أذهان المغاربة.
هل يدرك سعد الدين العثماني شناعة ما اقترفه، عندما قرّر وأد الديمقراطية الناشئة بعد ربيع مغربي استثنائي، فمنذ خمس سنوات خلت، والشعب المغربي، بمعية رئيس الحكومة السابق، يصارع من أجل انتزاع هذه التجربة من بين أنياب الاستبداد والسلطوية والتحكّم، قبل أن يأتي من يحرّر على عجلٍ شهادة وفاة في حق الانتقال الديمقراطي، بعد أسبوع من تحمله المسؤولية، في حين استمات من سبقه سنوات، وهو يتلقى الضربات من كل الجوانب.

هل يعي الطبيب النفسي، ومعه جوقة من المنبطحين ممن يتسابقون من أجل تبرير ما جرى طمعا في منصب وزاري في الحكومة المقبلة، بعدما فقدوا فيه الأمل مع بنكيران الذي أعلن بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، أن الأولوية سوف تكون للكفاءة الوطنية؛ ولو كانت من خارج التنظيم، وليس للأقدمية والمشيخة الحزبية، أنهم يطلقون رصاصة الرحمة على شرعيتهم لدى المواطن المغربي البسيط الذي يرى، في حزبهم، تلك الشجاعة والصمود في وجه السلطة التي فقدها في بقية الأحزاب المؤثثة للمشهد المغربي.
هل يدرك العثماني وإخوانه أن جزءا من النخبة المغربية؛ بيسارها ويمينها وعلمانييها، كانوا يدعمون التجربة في السابق، لا حبا في سواد أعين زعيمهم الذي يختلفون معه في تفاصيل كثيرة. ولكن لأنهم يرون أن الرجل يعي جيدا ثقل وزن الشعار الذي رفعه (الإصلاح في ظل الاستقرار) الذي نافح عنه حتى آخر لحظة، قبل أن يستعيد من جاؤوا بعده من قاموس لغة الخشب عباراتٍ من قبيل "القرار السيادي"، "الإرادة الحازمة"، "السياق الدولي"، "صلح الحديبية"، "المصلحة العليا للبلد".
هل سأل العثماني نفسه، وهو يباشر إجراءات ترتيب الأوراق، كي يفقد حزب العدالة والتنمية عذريته السياسية، ويحوله إلى حزب على مقاس السلطة، سيرا على نهج أحزاب عريقة تم تدجينها؛ لدى بعضها رصيد تاريخي ممتد عقودا، هل سأل ماذا سيبقى له من شرعية داخل رئاسة الحكومة؟ وأي سلطةٍ سوف تكون لديه على حكومةٍ سوف يمثل فيها وزراء حزبه أقلية؟
كيف سوف تبرّر قيادة "العدالة والتنمية" لأكثر من مليوني مغربي رفعهم الراية البيضاء، بالتفريط في زعيمهم أولا، وفي عدم قدرتهم على ترجمة الإرادة الشعبية التي دافع عنها الأخير إلى واقع سياسي ثانيا. وأخيراً، في المصداقية التي راكموها عقوداً من الممارسة، مقدمين المناصب على المواقف. إذ كان الأجدر أن يفرضوا على القصر معالجةً جديدة قوامها تبادل التنازلات (رأس بنكيران، إبعاد حزب الاتحاد الاشتراكي وضم حزب الاستقلال مثلا) أو العودة إلى صفوف المعارضة ورؤوسهم مرفوعة.
أتساءل عن طبيعة القاموس الذي سوف يستعين به إخوان العثماني بعد خمس سنوات، قصد إقناع المواطنين من أجل المشاركة في الانتخابات، بعدما وضعوا أيدهم في أيدي السلطوية، للالتفاف على روح 7 أكتوبر، مباركين بذلك عمل السلطة على الدوام القائم على تبخيس الممارسة السياسية، وإفراغها من أي مضمون بآليات التقليدية المعروفة التي ذاق الإسلاميون ويلاتها أكثر من غيرهم.
لقد أسدى سعد الدين العثماني للدولة العميقة خدمةً تكاد تشبه التي قدمتها الدولة لعبد الإله بنكيران، عندما أخرجت في 2007 صديق الملك محمد السادس من وزارة الداخلية، قصد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، إذ يظهر أن ما لم تحققه أحزاب المعارضة، ومعها وزارة الداخلية وقطيع من الصحافة الصفراء والمسيرات العرجاء طوال السنوات الخمس السابقة، سوف ينجزه العثماني بأحسن وجه في أشهر من ولايته الحكومة.
واضح أنه يسوق الحزب نحو وجهة غير مقنعة لكثيرين من أبنائه غير المقتنعين ممن وجدوا أنفسهم في حيص بيص من أمرهم، إلى درجةٍ ردّد فيها بعضهم أن مسؤولية الحزب اليوم هي الاستمرار في إقناع المغاربة باختياراته، لأن منهجنا قائم على الإقناع، ولم نستعن يوما بسلطة أو مال أو غيره.. ولكي نستمر في الإقناع، لا بد أن نكون نحن مقتنعين".
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري