أيها التلميذ... "وما رأيك؟"

27 ابريل 2015
حينما تصبح كتب الدراسة أهم من الطلبة أنفسهم (Getty)
+ الخط -
ثلّة من خيوط متشابكة تفتقد للتجانس واللياقة وتغرق في الالتفاف والتعقيد، هي صورة المناهج المدرسية في مصر، خلطة منفّرة ومتنافرة من العلوم الإنسانية والتكنولوجية تُسلّط على عقول التلاميذ فتفقدهم القدرة على التجاوب معها وتكسبهم القدرة على الإذعان والانصياع التام، حتى يأتي السؤال: "... وما رأيك؟"، كتذييل لبعض الأسئلة الموجهة للتلاميذ في الامتحانات المدرسية، بينما الإجابة التي يوصي بها المعلمون تلاميذهم تشترط الالتزام بالرأي المحدد سلفاً في سياق المادة التعليمية مدحاً كان أم ذماً. هكذا يجسّد التعاطي المعتاد مع المناهج المصرية حالة من الإذعان للامنطق والقبول باللامعقول. فهذا يسأل الطالب عن رأيه ثم يؤشر لإجابة محددة على أنها الإجابة الصحيحة!

توضع المناهج الدراسية في مصر موضعاً مقدساً يفرض استرجاعها عن غيب بغية إحراز التفوق الذي قد يقود صاحبه مستقبلاً لمكانة متميّزة في المجتمع، ربما ترتب ذلك على "فرط" تعويل نُظُم الاختبارات على الحفظ معياراً وحيداً لتقييم التلاميذ، كما "فرط" الاستسلام لكل ما تحويه الكتب المدرسية بين دفتيها. لا يقتصر الأمر على يأس المعلم من التصحيح والنقد والاشتباك، إنما امتد ليصيب الأهل الذين تبدو صلتهم بالمناهج الدراسية التي يتجرعها أبناؤهم سطحية في أغلب الأحيان. ورغم أن الحديث عن أهالي التلاميذ هو حديث عن فئات المجتمع المتباينة، بما قد لا يجيز إطلاق الأحكام، إلا إن إجماعاً لا يعفيه الاستثناء، يكشف ما وصلت إليه الحال من عموم التسليم لفترة التعليم ما قبل الجامعي كخطوة نحو المستقبل الذي لا يبدأ ـ وفق الفهم العام ـ قبل أن تطأ أقدام الأبناء الجامعات، صار مستساغاً أن تحترق سنوات العمر السابقة على ذلك جميعاً فداءً لهذا المستقبل، الذي يقتصر دور الأهل قبله على تحفيز أبنائهم على تجرع الدواء من أجل الشفاء، مرٌ نعم.. ولكن لا بد منه.

في قضية المناهج المدرسية أينما حط نظرك، تجد حتماً تفصيلاً صغيراً كافياً لعكس شتات الصورة وتمزقها، فالمناهج تتعرض منذ أربع سنوات وحتى اليوم، للبتر والحذف والإلغاء، على أثر ظروف متباينة تعتري البلاد، صحية كانت أو أمنية وسياسية، وفي كل مرة يُحمد الإلغاء كسبيل لتخفيف العبء، فيما شيء لم ينقص التلاميذ بهذا الحذف، كما أن شيئاً ما كان ليضاف إليهم بعدمه، فكل فقرة من المنهج تمثل صوتاً مستقلاً لا هو مُكمل لما قبله ولا ممهّد لما بعده، نغمات منفصلة تصنع بمجملها نشازاً صاخباً، لا ضير إذاً من تخفيف حدته.

كذلك، يحدث كثيراً أن ينصرم الفصل الدراسي أو يوشك دون أن يتسلم التلاميذ الكتب المدرسية في مادة على الأقل، لكن هذا لا تترتب عليه أية إجراءات استثنائية بتأجيل الاختبارات مثلاً أو غير ذلك، ما يعني التسليم الضمني بأن وجود الكتاب مثل عدمه، أو أن الكتاب الخارجي فيه العوض والكفاية، وهو يشير للتطفل الاستثماري رغم مجانية التعليم المزعومة، فالكتاب الخارجي الذي يتهافت عليه التلاميذ يخرجه مؤلف الكتاب المدرسي نفسه، فهل إضعاف الكتاب المدرسي خطأ مقصود لتوجيه الأنظار نحو الكتاب الخارجي والتربّح منه؟!

من أشد ما تفتقره المناهج الدراسية في مصر العناية المجتمعية التي تنتزع عنها قداستها غير المستحقة وتتجه نحوها بالنقد والرفض والتصويب لتتعافى من استعلائها وجمودها فتحيي عقول أبنائنا بدلاً من إماتتها.
المساهمون