12 نوفمبر 2024
أين ليلة البشير من بارحة مبارك؟
لعل معظم من تابعوا الحراك السوداني، المتواصل منذ نحو شهرين، ووقفوا على أول تلك المشاهد المنقولة تباعاً عبر البث الفضائي، استعادوا إلى الذاكرة مشاهد مماثلة، ثم راحوا يجرون مقارناتٍ، ربما تكون ظالمة، بين ما يحدث ضد حكم عمر البشير وما حدث قبل نحو ثمانية أعوام في مصر، ضد جمهورية حسني مبارك.
وأحسب أن الصور الانطباعية الأولى، المتكونة لدى المشاهدين العرب، ممن يتعاطفون مع الشعب السوداني قلباً وقالباً، لم تتغير كثيراً طوال الأسابيع القليلة الماضية، حيث ظلت المخاوف من احتمال انتكاسة الاحتجاجات الشعبية تستبدّ بهم، وتهبط بسقف توقعاتهم، نظراً لمحدودية النتائج المتحقّقة، ولتماسك نظام الجنرال الموغل في الاستبداد، على مدى ثلاثة عقود بائسة، ناهيك عن ضعف الاستجابة الغربية للمطالب الشعبية السودانية.
وهكذا تتداعى الصور الحاضرة في الأذهان بعد، عن مسار الحدث الجماهيري المصري الهائل، الذي تصاعد بقوةٍ كاسحةٍ في غضون 18 يوماً، وأسقط مبارك بما يشبه الضربة الفنية القاضية، فيما هذا الحراك السوداني مراوح في مكانه، حيث لم تتوقف المظاهرات حقاً، وهو أمر مهم، إلا أنها لم تُحدث الخرق المرغوب به في بنية الحكم، أو تؤدّ إلى نقطة تحول في الموقف العام، على نحو ما وقع حينها في مصر.
إذ يبدو أن السودانيين الذين يطلقون على حراكهم اسم "ثورة" يواجهون، في واقع الأمر، حالة انسدادٍ، ناجمة ربما عن ضعف الحركة الجماهيرية التي لم تحشد في أحسن الأحوال سوى مئاتٍ من الشباب والفتية، فيما يحشد البشير، في المقابل، آلافاً مؤلفة من الأنصار في الخرطوم وفي مختلف الولايات، ويُظهر قدراً عالياً من الاطمئنان إلى استقرار حكمه، بدليل زياراته الخارجية التي ما كان لها أن تجري لو أنه يشعر بتهديد داخلي.
وتستدعي زيارات البشير المتواصلة إلى المحافظات والخارج، وما توحي به من ثقة بالنفس، إلى الذاكرة الغضّة، ذلك المشهد الذي حمل فيه حسني مبارك عائلته الصغيرة، على متن طوافةٍ عسكرية، وفرّ بها إلى شرم الشيخ، عندما اقتربت الجموع الغاضبة من قصر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة، الأمر الذي يحمل على الاعتقاد بوجود روحٍ قتاليةٍ، وصلابةٍ شخصيةٍ، لدى البشير، على العكس من تلك الروح الانهزامية المستحكمة في شخصية مبارك.
وفي كل المقارنات المتفرقة بين هذين الحاكمين المستبدّين، يجد المرء نفسه مُكرهاً على تفضيل صورة البشير المليئة بالتحدّي والعناد، ولو على باطل، على صورة مبارك الانسحابية المتهالكة، على الرغم من أن الأخير كان يرأس حزباً (الحزب الوطني الديمقراطي) يضم مئات الألوف، لم يدافع عنه سوى مرة واحدة، وبصورة هزيلة، أمام مسجد مصطفى محمود، فيما يروح البشير ويؤوب بين الولايات، على نحوٍ يومي، ويُظهر أمام الحشود إصراراً متزايداً على الاستمرار.
وتكاد تكون هذه الاستنتاجات المؤسفة هي نفسها فيما يتصل بالاحتجاجات الجماهيرية في البلدين اللذين يتقاسمان وادي النيل، حيث عبّرت الاحتجاجات في مصر عن حركةٍ شعبيةٍ عريضة واسعة، ذات قاعدة متجذّرة، تقودها جماعة منظمة ومتمرّسة، وتدعمها قطاعاتٌ مدنية فاعلة، فيما تبدو المظاهرات المستمرّة، بوتيرة منخفضة، وأحياناً بتثاقل، في العاصمة المثلثة وبقية المدن السودانية، تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة، في انتظار أن يؤدّي التراكم الكمي إلى تحوّل نوعي في المستقبل.
وأكثر من ذلك، المسألة الفارقة بين حالة البشير اليوم وحالة مبارك بالأمس تتمثل في موقف الجيش إزاء النظام السياسي في كلا البلدين المتجاورين، ففي حين حسم الجيش المصري موقفه، بعد تردّد قصير، لصالح ميدان التحرير، وتخلّى عن منظومة مبارك، بل وأجبره على التنحّي، يظهر الجيش السوداني تمسّكه بالبشير، إلى أجل غير معلوم.
وأحسب أن موقف الجيش هنا أو هناك، على امتداد ساحات بلدان الربيع العربي، كان هو العامل المقرّر في مصائر سائر الحكام الدكتاتوريين، فالجيش أسقط مبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وبن علي في تونس، وعلي عبد الله صالح في اليمن، فيما ساند بشار الأسد، وها هو يساند البشير.
وهكذا تتداعى الصور الحاضرة في الأذهان بعد، عن مسار الحدث الجماهيري المصري الهائل، الذي تصاعد بقوةٍ كاسحةٍ في غضون 18 يوماً، وأسقط مبارك بما يشبه الضربة الفنية القاضية، فيما هذا الحراك السوداني مراوح في مكانه، حيث لم تتوقف المظاهرات حقاً، وهو أمر مهم، إلا أنها لم تُحدث الخرق المرغوب به في بنية الحكم، أو تؤدّ إلى نقطة تحول في الموقف العام، على نحو ما وقع حينها في مصر.
إذ يبدو أن السودانيين الذين يطلقون على حراكهم اسم "ثورة" يواجهون، في واقع الأمر، حالة انسدادٍ، ناجمة ربما عن ضعف الحركة الجماهيرية التي لم تحشد في أحسن الأحوال سوى مئاتٍ من الشباب والفتية، فيما يحشد البشير، في المقابل، آلافاً مؤلفة من الأنصار في الخرطوم وفي مختلف الولايات، ويُظهر قدراً عالياً من الاطمئنان إلى استقرار حكمه، بدليل زياراته الخارجية التي ما كان لها أن تجري لو أنه يشعر بتهديد داخلي.
وتستدعي زيارات البشير المتواصلة إلى المحافظات والخارج، وما توحي به من ثقة بالنفس، إلى الذاكرة الغضّة، ذلك المشهد الذي حمل فيه حسني مبارك عائلته الصغيرة، على متن طوافةٍ عسكرية، وفرّ بها إلى شرم الشيخ، عندما اقتربت الجموع الغاضبة من قصر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة، الأمر الذي يحمل على الاعتقاد بوجود روحٍ قتاليةٍ، وصلابةٍ شخصيةٍ، لدى البشير، على العكس من تلك الروح الانهزامية المستحكمة في شخصية مبارك.
وفي كل المقارنات المتفرقة بين هذين الحاكمين المستبدّين، يجد المرء نفسه مُكرهاً على تفضيل صورة البشير المليئة بالتحدّي والعناد، ولو على باطل، على صورة مبارك الانسحابية المتهالكة، على الرغم من أن الأخير كان يرأس حزباً (الحزب الوطني الديمقراطي) يضم مئات الألوف، لم يدافع عنه سوى مرة واحدة، وبصورة هزيلة، أمام مسجد مصطفى محمود، فيما يروح البشير ويؤوب بين الولايات، على نحوٍ يومي، ويُظهر أمام الحشود إصراراً متزايداً على الاستمرار.
وتكاد تكون هذه الاستنتاجات المؤسفة هي نفسها فيما يتصل بالاحتجاجات الجماهيرية في البلدين اللذين يتقاسمان وادي النيل، حيث عبّرت الاحتجاجات في مصر عن حركةٍ شعبيةٍ عريضة واسعة، ذات قاعدة متجذّرة، تقودها جماعة منظمة ومتمرّسة، وتدعمها قطاعاتٌ مدنية فاعلة، فيما تبدو المظاهرات المستمرّة، بوتيرة منخفضة، وأحياناً بتثاقل، في العاصمة المثلثة وبقية المدن السودانية، تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة، في انتظار أن يؤدّي التراكم الكمي إلى تحوّل نوعي في المستقبل.
وأكثر من ذلك، المسألة الفارقة بين حالة البشير اليوم وحالة مبارك بالأمس تتمثل في موقف الجيش إزاء النظام السياسي في كلا البلدين المتجاورين، ففي حين حسم الجيش المصري موقفه، بعد تردّد قصير، لصالح ميدان التحرير، وتخلّى عن منظومة مبارك، بل وأجبره على التنحّي، يظهر الجيش السوداني تمسّكه بالبشير، إلى أجل غير معلوم.
وأحسب أن موقف الجيش هنا أو هناك، على امتداد ساحات بلدان الربيع العربي، كان هو العامل المقرّر في مصائر سائر الحكام الدكتاتوريين، فالجيش أسقط مبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وبن علي في تونس، وعلي عبد الله صالح في اليمن، فيما ساند بشار الأسد، وها هو يساند البشير.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024