أول اختبار لحكومة الفخفاخ: حصيلة 100 يوم أمام البرلمان

24 يونيو 2020
يحاول الفخفاخ إنقاذ تحالفه الحكومي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -



يعرض رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، اليوم الخميس، حصيلة 100 يوم من عمل حكومته، وهو تقليد بدأ يترسخ في تونس مع الحكومات السابقة، لتكريس سلطة البرلمان في مراقبة الأداء الحكومي وتقييم عملها دورياً.

ويتقدم الفخفاخ بحصيلة إيجابية، بعد نجاح الحكومة بإدارة أزمة فيروس كورونا. إلا أنه يتوجه أيضاً إلى مقر البرلمان في قصر باردو في وضع هش سياسياً، بسبب ضعف تحالفه الحكومي وبروز أزمة جديدة تستهدفه شخصياً بعد شبهات تضارب المصالح، التي أثيرت إثر كشف امتلاكه لأسهم في شركة عقدت صفقات مع دوائر رسمية.

وقال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الـ 100 يوم في عمل الحكومة مرت بشكل صعب وطويل على التونسيين، فالحكومة، وبمجرد تسلم مقاليد السلطة، واجهت جائحة عالمية، هي كورونا، ونجحت بإلى حد كبير في الحد من تأثيرها على صحة التونسيين، وهو ما يحسب لها ويستوجب الإقرار به. لكن الأزمة السياسية التي ولدت فيها الحكومة، والإطار السياسي الذي ولد فيه الائتلاف الحاكم، عقّدا مهمة الحكومة وأداءها، والخروج برؤية للمستقبل تطمئنهم بأن هناك قيادة موحدة قادرة على مواجهة الاستحقاقات الموروثة عن الحكومات السابقة، خصوصاً تكلفة الحرب على كورونا".

وأوضح الشابي أن "هذه الحكومة هي حكومة الاضطرار، وقد تم القبول بتركيبتها تجنباً لحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها. وتوسم كثيرون خيراً في الحكومة، خصوصاً مع موجة التفاؤل التي تلت انتخاب رئيس الجمهورية، وعودة السلطة للشعب، واستعداد التونسيين للتعاطي مع المنظومة الجديدة. إلا أنّ الصراع السياسي الذي عرفته مكونات الائتلاف الحاكم، جعلت الثقة تهتز في الحكومة، ما دفعها إلى ارتكاب عدة أخطاء".

وبين أن "الحكومة، لغاية الآن، لم تقدم رؤيتها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية ومشاكل المديونية والبطالة والتنمية في الجهات، والاستحقاقات الفعلية التي تطرق باب تونس بقوة، بينما النخبة السياسية والمعارضة في واد آخر، وتتناقش وتختلف في جمهورية ثالثة، وتغيير النظام الانتخابي، وقضايا تتعلق بالترف الفكري، وجلها بعيدة عن استحقاقات التونسيين"، مؤكداً أنّ "الآمال تنسد في الجهات الداخلية، وما نراه في الجنوب مقدمة لانفجار، إن حصل، لن يمكن تطويقه". وأوضح أنّ "حركة النهضة تتهم حركة الشعب بالتحريض على الاحتجاجات، والشعب تتهم النهضة بأنها وراء إثارة القلاقل حول زيارة رئيس الجمهورية (قيس سعيد) إلى باريس، رغم أنهما طرفان في الائتلاف الحاكم. ناهيك أن الحكومة، التي تسوّق لكونها عادلة وقوية ورفعت شعار مكافحة الفساد، ارتكبت أخطاء، وأثارت الريبة، ما أضعف مصداقيتها، بدءا بصفقة الكمامات الطبية وتضارب المصالح، وقضية سيارة وزير النقل، وصولاً إلى أسهم رئيس الحكومة، وهي القضية التي زادت في إحباط عزائم التونسيين".

وأشار إلى أنّ "الحكومات تغيرت، لكن المنطق لم يتغير لغياب الرؤية، وغياب خطة سياسية في مواجهة الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية، ما يجعل الحكومة في وادٍ والنخبة السياسية الحاكمة في آخر، دون الحديث عن المعارضة، فهناك معارضة تعمل على إسقاط التجربة الديمقراطية داخل البرلمان، تقودها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، ومعارضة مشتتة لم تراجع أسلوب عملها، وتحاول أن تلعب دوراً أكبر من حجمها. وبالتالي فإن الخوف هو غياب البديل، لأنه لو سقطت هذه الحكومة فإن التي ستليها ستكون أسوأ منها".

ويحاول الفخفاخ إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يتعلق بتحالفه الحكومي الذي تتقاذفه الصراعات. وبدأ بسلسلة اجتماعات مع الكتل التي تشكل الحكومة، والتقى بحركة "النهضة" التي عاودت مطالبتها بتوسيع الائتلاف، ورد عليها سعيد، من باريس، بأن توسيعها قد يؤدي إلى تفكيكها. ثم التقى بالكتلة الديمقراطية، التي تضم حركة الشعب والتيار الديمقراطي، ومن بعدها بنواب كتل الإصلاح وتحيا تونس والمستقبل. وقال الفخفاخ إن "متطلبات الوضع تحتاج إلى تعزيز الثقة بين مكونات الائتلاف الحاكم، وترجمتها الى مشاريع وبرامج حكم تجيب على انتظارات الشعب، وترسي تقاليد عمل مشتركة بين الحكومة والبرلمان". وأكد أن "الوضعية الراهنة للبلاد، والاستحقاقات الاجتماعية المطروحة، تستدعي من الجميع تحمل المسؤولية، والنأي عن التجاذبات السياسية التي من شأنها أن تضعف القدرة على التعاطي مع التحديات التي تواجهها البلاد".

واعتبر المحلل السياسي ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن من الصعب إنقاذ الائتلاف الحكومي في ظل التجاذبات الحاصلة، وأي اعتصامات واحتجاجات ستؤجج الوضع، وهو ما حصل من خلال تصريحات "النهضة" وحركة الشعب، مبيناً أنّ هذه التجاذبات تحدث الآن في ملفات عادية، فماذا لو تعلق الأمر بملفات كبرى، والتي قد تعصف بالائتلاف؟ وأشار إلى أنّ "مطلب حركة النهضة بتوسيع الائتلاف الحكومي له مبرّراته، والعقل والمنطق يفرض هذه التوسعة، فالنجاعة والمصلحة السياسية تقتضيان ضم أكبر عدد من الأطراف، حتى لا تتعطل الدولة"، مؤكداً أن "النجاح الوحيد، ونقطة الضوء، في الـ100 يوم هي النجاح في المعركة ضد كورونا. ورغم عيوب قطاع الصحة والنقائص إلا أنه كان فاعلاً في الأزمة".

وأكّد البرهومي أن "المرحلة المقبلة ستكون صعبة بسبب البطالة والاضطرابات الاجتماعية التي ستتصاعد، ولا حلول سوى توسيع الائتلاف الحكومي لحل عديد الإشكاليات وتمرير القوانين والإصلاحات، خصوصاً أن الحكومة، على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، لم تحسن التصرف. إن المواطن التونسي مستعد للتضحية من أجل بلاده، وفي صورة اتخاذ إجراءات تقشفية قد يضحّي، لكن بشرط أن تكون لدى أهل الحكم المصداقية اللازمة. لكن اهتزاز الثقة والمعاملة الأمنية مع المحتجين في تطاوين جنوب تونس قد يعقد الوضع". وبيّن أنّ "سكان المناطق المهمشة انتفضوا لأنهم لم يجدوا أبسط مقومات العيش الكريم. وفي غياب توفير ذلك على الأقل لا بد من توفر عامل الثقة"، مؤكداً أن "الناس ملوا الطبقة السياسية التي تعد ولا تنفذ".

ويتوجه الفخفاخ إلى البرلمان مثقلاً بشبهات تضارب المصالح التي تطاوله هذه الأيام، وهو ملف يمكن أن يعجل بسقوط الحكومة، أو يضعفها سياسياً في أهون الحالات. وقال رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، إنه سيتم تفعيل الفصل 98 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، الذي يتيح للمعارضة تأليف لجنة تحقيق، ستنظر في ملف تضارب المصالح للفخفاخ. وأضاف مخلوف، في حوار على القناة الوطنية الأولى، أنه "إذا تأكدت قضية تضارب المصالح لرئيس الحكومة، وانتفاعه بمبالغ طائلة من عدد من الصفقات، سيصار إلى المطالبة بسحب الثقة من رئيس الحكومة".

في المقابل، اعتبر رئيس الكتلة الديمقراطية هشام العجبوني أن الفخفاخ "لا يملك أيّة أسهم مباشرة في الشركة المعنية"، وإنما "يمتلك أسهماً في إحدى الشركات المساهمة في رأس مالها". وقدم، في تدوينة على صفحته على "فيسبوك"، عدداً من الحجج القانونية، مشدداً على أن "من له خلاف ذلك فليقدّم براهينه". ووجه رسالة غير مباشرة إلى الطامحين في إسقاط الحكومة بأن "من يريد إسقاطها عليه أن يبحث عن طريقة أخرى".