أوكرانيا: تهاوي شعبية زيلينسكي ينذر بتجدد الأزمة السياسية

29 فبراير 2020
يعتقد الأوكرانيون أن زيلينسكي يحمي مصالحه (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

لم يمر عام على تنصيبه في مايو/أيار الماضي، حتى بدأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يواجه تهاوياً لنسب تأييده، ما يهدد بأزمة سياسية قد تقود إلى انتخابات مبكرة، لاسيما إذا ما بقي التدهور الاقتصادي في البلاد على حاله. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "رازومكوف" الأوكراني للتحليل، أخيراً، أن نسبة الأوكرانيين الذين يثقون في رئيسهم تراجعت من 79 في المائة في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى 51.5 في المائة حالياً، فيما أعرب 40 في المائة من المواطنين فقط عن نيتهم التصويت له في حال أجريت الانتخابات خلال أسبوع.

وبحسب الاستطلاع ذاته، فإن نسبة الأوكرانيين الذين يعتبرون أن أعمال رئيس بلادهم تهدف إلى الدفاع عن المصالح الوطنية، تراجعت من 54.5 في المائة إلى 37 في المائة فقط، مقابل ارتفاع نسبة من يعتقدون أنه يدافع عن مصالحه هو ومحيطه السياسي من 24.5 إلى 41 في المائة. وبذلك، تبدو أوكرانيا وكأنها تشهد تكراراً لسيناريو المسلسل السياسي الساخر "خادم الشعب" الذي نال الممثل الكوميدي زيلينسكي شعبية كبيرة بعد أدائه الدور الرئيسي فيه، وهو دور مدرس تاريخ متواضع يصبح رئيساً للبلاد، لكنه يعجز عن تحسين الأوضاع في ظلّ استشراء الفساد بين النخبة السياسية.

وفي هذا الإطار، يوضح الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، أن جميع رؤساء أوكرانيا يواجهون تهاوياً لشعبيتهم في ظلّ مبالغة الناخبين في توقعاتهم عند انتخابهم، معتبراً أن أكبر نقطتي ضعف لزيلينسكي، هما انعدام الخبرة السياسية وتردي أداء الاقتصاد الوطني، محذراً من اندلاع أزمة سياسية قد تنتهي بانتخابات مبكرة.



ويشرح سيميفولوس، في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف، أن "تراجع شعبية أي رئيس أوكراني يبدأ في اليوم التالي على تنصيبه، بسبب مبالغة الناخبين في توقعاتهم، وما يترتب عليه لاحقاً من إحباط".

ومن بين المحطات التي زادت من خيبة أمل الأوكرانيين في شخصية زيلينسكي تحديداً، يشير سيميفولوس إلى واقعة قيام الرئيس خلسةً برحلة استجمام إلى سلطنة عمان مطلع العام الجديد، ثم محاولته تبرير سفره بعقد مفاوضات، وهو ما كشف كذبه.

وكانت وسائل إعلام أوكرانية قد تداولت صوراً كشفت جانباً من إقامة زيلينسكي بفندق قصر البستان - ريتز كارلتون الذي يعد واحداً من أفخر فنادق مسقط وتصل تكلفة الإقامة فيه إلى أربعة آلاف يورو لليلة الواحدة في حالة الإقامة في جناح رئاسي.

وسارع مكتب الرئيس الأوكراني للتأكيد أنه سافر إلى سلطنة عمان على نفقته الخاصة، وعلى متن رحلة طيران منتظمة، وأنه عقد محادثات مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، لمناقشة تعزيز العلاقات بين البلدين، كما قطع زيلينسكي رحلته بعد علمه بتحطم طائرة "بوينغ-737" الأوكرانية في إيران في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي، عائداً إلى كييف.

وحول أسباب أكثر عمقاً لتهاوي شعبية زيلينسكي، يقول سيميفولوس، إن "انعدام الاختصاص السياسي وخبرة الإدارة بدأ يتبلور لديه ولدى فريقه، فهم يبدون وكأنهم يريدون التعلم على حساب أرواح الناس. كما أن الوضع الاقتصادي لا يتحسن، ما ينعكس سلباً على أوضاع الأوكرانيين العاديين".

على صعيد السياسة الخارجية، شهدت الأشهر القليلة الماضية انفراجة في بعض الملفات العالقة في العلاقات الروسية - الأوكرانية، مثل إتمام عملية تبادل الأسرى في سبتمبر/أيلول الماضي، وفصل القوات في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، والتوقيع على عقد ترانزيت الغاز الروسي لخمس سنوات إضافية، لكن دون التوصل إلى التسوية النهائية للأزمة الأوكرانية القائمة منذ العام 2014.

ومع ذلك، يقلل سيميفولوس من نجاحات زيلينسكي في السياسة الخارجية، معتبراً أن "المشكلة الرئيسية التي تواجهها أوكرانيا على الساحة الدولية، هي تراجع مكانتها ككيانٍ دولي، حيث يرى الجميع أن زيلينسكي سياسي ضعيف. صحيح أنه وضع هدف إنهاء الحرب في دونباس بأي ثمن، لكن روسيا غير مهتمة بذلك وتواصل حرب الاستنزاف".

وشهدت أوكرانيا خلال السنوات الـ15 الماضية، موجتين من التظاهرات عرفت أولاهما باسم "الثورة البرتقالية" وأسفرت عن صعود الرئيس الموالي للغرب، فيكتور يوشينكو، في بداية 2005. أما موجة الاضطرابات السياسية الثانية التي حصلت في فبراير/شباط 2014 فأدت إلى سقوط الرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، وتوجه كييف نحو التقارب مع الغرب من دون رجعة.

وعلى الرغم من تراجع شعبية زيلينسكي، إلا أن سيميفولوس يأمل ألا تشهد أوكرانيا "ميداناً ثالثاً". ويقول في هذا الصدد إن "خروج الميدان هو حدث فريد لا يترتب على أي احتجاج، لكن من الوارد أن تحدث أزمة سياسية ناتجة عن فشل فريق زيلينسكي، ستؤدي إلى انتخابات مبكرة، وهذا السيناريو أكثر تفاؤلاً من الميدان"، من وجهة نظر الباحث.  

يذكر أنّ زيلينسكي حقّق فوزاً كاسحاً بجولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الأوكرانية في إبريل/نيسان 2019، وذلك بحصوله على 73 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل 25 في المائة فقط لسلفه بيترو بوروشينكو، فيما يعدّ أكبر فوز باستحقاق رئاسي في تاريخ أوكرانيا ما بعد السوفييتية، دون أن يسلمه ذلك من تراجع نسبة التأييد بعد مرور أقل من عام.