وقال الاقتصادي الروسي الشهير، ميخائيل خازن، الموظف السابق في إدارة الرئاسة الروسية، والمؤلف المشارك لكتاب أفول أمبراطورية الدولار: إن النزاع في أوكرانيا، معركة على السوق الأوروبية المشتركة، تدور بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، فالسوق الأوروبية هي الأكثر قدرة شرائية، وعليه فالسيطرة عليها تضمن تفوقاً استراتيجياً لمن يتمكن منها، أمّا أوكرانيا فماهي إلا معبر صيني إلى أوروبا، حيث ترى واشنطن ضرورة إغلاقه بكل السبل الممكنة، في حين تشكل روسيا حجر عثرة ينبغي إزاحتها من الطريق.
أما الأكاديمي سيرغي غلازييف، ومستشار الرئيس الروسي لشؤون التكامل الاقتصادي الإقليمي، فيرى جملة فوائد مباشرة تجنيها الولايات المتحدة من العقوبات على روسيا ومن إشعال الحرب الأوكرانية.
بوابة الأزمة الأوكرانية
اندلعت الأزمة الاوكرانية بعد تظاهرات أقيمت في تشرين الثاني/نوفمبرالماضي في العاصمة كييف، بعدما رفض الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، اتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي لمصلحة التقارب مع روسيا.
وازدادت وتيرة هذه الاحتجاجات مع بداية 2014 وأدت إلى مقتل العديد من المحتجين والقوى الحكومية، تأججت الاشتباكات بين قوات الأمن والمحتجين ابتداءً من يوم 20 فبراير/شباط، وفي ظل تلك الظروف صوت مجلس النواب الأوكراني على عزل الرئيس يانوكوفيتش في 22 فبراير/شباط، هذا التغيير في كييف لم يرق سكان العديد من المناطق في جنوب وشرق البلاد.
وفي يوم 23 فبراير/ شباط الماضي، وكجزء من نتائج الثورة الأوكرانية، ألغي قانون اللغة للأقليات (والذي يشمل الروسية) وتم إعلان اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للبلاد، فجاء هذا القرار ليصب الزيت على النار في لتلك الأقاليم المستاءة أصلاً من التغييرات الحاصلة في عاصمتهم.
ورأت تلك الأقاليم وخاصة شبه جزيرة القرم أن خطوة إلغاء قانون اللغات، هي دليل على أن المحتجين في كييف يحملون أجندة معادية لروسيا ولهم توجه عنصري، وبدأت مواجهات بين الحكومة الجديدة وبعض المحتجين وخاصة في شبه جزيرة القرم حيث الاغلبية تنتمي الى روسيا، وفي 16 مارس/آذار، أُجري استفتاء في القرم للانفصال عن أوكرانيا والانضمام الى روسيا الاتحادية، جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة الانضمام الى روسيا بنسبة 95 في المئة، وإثر التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم، وجهت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي سلسلة من العقوبات، كان آخرها الشهر الماضي.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الصراع في أوكرانيا، يدور على خلفية محاولة الولايات المتحدة جر الاتحاد الأوروبي إلى "منطقة التجارة الحرة الأطلسية" بالشروط التي تناسب واشنطن، حتى لو كان ذلك على حساب دمار أوروبا بالمعنى الحرفي وليس المجازي للكلمة، مما يساهم في إضعاف روسيا اقتصاديّاً وسياسيّاً، والحرب في أوكرانيا القابلة للانتشار أوروبيا قد بدأت، وقد تتحول إلى حرب عالمية، لو ترك للسياسات الأمريكية أن تتحقق، وتقتضي منطقة التجارة الحرة الاطلسية، إقامة علاقات تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وتفعيل تصدير السلع والخدمات والادوات المالية والزراعية.
طريق الحرير الجديد
وقال الخبير ميخائيل خازن في لقاء أجرته معه صحيفة "كومسومولسكايا برافدا": إن أوكرانيا ضحية الحرب بين الولايات المتحدة والصين على أسواق الاتحاد الأوروبي.
وأضاف: الميكانيزم الأساسي للأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت خريف 2008، يتمثل في هبوط الطلب الخاص على السلع، والنقطة المفصلية في استمرارية الاقتصادين الأكبرين في العالم، هي البحث عن أسواق جديدة، والسوق الأمثل لهما هي السوق الأوروبية، وقد بدأت عملية احتلالها في 8 فبراير/شباط 2013، حينما اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إنشاء فضاء عابر للأطلسي للتجارة والاستثمار.
وأشار خازن إلى ان حدود المواجهة الأميركية- الصينية تتمثل في الطرق البرية، بين الصين وأوروبا، والتي تمر بآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، لذا من الضروري إيجاد مركز توتر يكون في أوكرانيا والقرم.
وتحدث خازن عن أن المبادرين إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة الأطلسية، لم يُخفوا أن أحد أهدافها الرئيسة هو حماية بلدان الغرب من البضائع الرخيصة الآتية من الصين وغيرها من البلدان الآسيوية.
وقال : اتفق الشركاء الأطلسيون على إجراء الجولة الأولى من المفاوضات حول هذه السوق الحرة، في يوليو/تموز، 2013، إلا أنّ الرد الصيني المكافئ، جاء سريعاً، فقد طرح الزعيم الصيني، شي جين بينغ، فكرة طريق الحرير الجديد، ومن المنتظر، وربما قبل نهاية عام 2015، انخفاض مستوى حياة الأوروبيين بدرجة مهمة. مما سيضطر الاتحاد الأوروبي ولو جزئياً إلى الانتقال من استهلاك البضائع الألمانية الغالية إلى البضائع الصينية الرخيصة.
وتوقف خازن عند دلالات الجولة التي قام بها الزعيم الصيني، في سبتمبر/أيلول، في آسيا الوسطى، وباتت بنتيجتها الأخيرة حليفة للصين، وفي حين أن روسيا نفسها لم تقف عائقاً في وجه مشروع "طريق الحرير الجديد" الصيني، فإن العائق الوحيد في طريق الصين شكّلته أوكرانيا.
وتابع "حاول الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، المشاركة في المشروع، فقرر زيارة الصين بعد زيارته ليتوانيا، وتبعاً للمصادر الصينية فقد أيد يانوكوفيتش بحماسة فكرة طريق الحرير الجديد، وقرر شخصيّاً المشاركة في تحقيقه، مقدّماً شبه جزيرة القرم للصين كعقدة نقل استراتيجية، ونقطة عبور إلى الاتحاد الأوروبي، وتم الاتفاق على أن تقوم الصين ببناء ميناء عميق في منطقة "إيفباتوريا" في القرم بطاقة شحن 140 مليون طن سنويّاً، ومن أجل مرور البواخر ذات الحمولات الكبيرة، تصنع قناة عميقة طولها تسعة كيلومترات، إضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على إنشاء مطار وأحواض سفن ومصافٍ تكرير النفط ومعامل تسييل الغاز، وأن تستأجر 160 ألف هكتار لزراعة القمح والذرة لمستهلكيها، كما كان مخططاً أن تبدأ شركة وانج جينج (HKND Group) أعمال البناء في نهاية عام2014، إلا أن يانوكوفيتش لم يأخذ بعين الاعتبار ردة فعل واشنطن، فتمت إطاحته وأشعلت الحرب في أوكرانيا.
ويسئل خازن، لماذا الحرب الآن؟ من المعلوم أنّ انهيار الاتحاد السوفييتي، وما أعقبه من توقف الصناعة الروسية، ضمن للغرب سوق رابطة الدول المستقلة لتصريف منتجاته التقنية المتطورة، وللصين سوقاً لبضائعها الاستهلاكية الشعبية، وللمنتجات الغذائية من الجانبين، ولكن مع بداية القرن الحادي والعشرين، نفدت إمكانية الضخ المالي، وفق نموذج الاستهلاك غير المحدود لاقتصاد البترودولار داخل بلدان "المليار الذهبي"، ولم يبق أمام الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلا أن تختلفا أو تحتلا سوق أوروبا الغنية، وتغيرا النموذج الاقتصادي السائد بسرعة، ولا تتردد واشنطن الى تحويل صراع إلى حرب بالوكالة.
زعامة اقتصادية
من جهة أخرى، رأى الخبير سيرغي غلازييف، في تقرير نشرته جريدة الأعمال "بزنس غازيتا"، تحت عنوان "لكي لا نخسر الحرب"، في الأزمة الأوكرانية سباقاً على زعامة العالم اقتصاديّاً، بين الولايات المتحدة والصين، تستخدم فيه الولايات المتحدة السيناريو المألوف لديها، وهو إشعال حرب عالمية في أوروبا، محاولة كعادتها تعزيز مكانتها في العالم على حساب القارة العجوز.
وقال: لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق مآربها الاقتصادية الا عبر إشعال المواجهة بين أوكرانيا وروسيا وإقحام الاتحاد الأوروبي فيها، علما بأن أمريكا لا تفعل ذلك فقط من أجل إضعاف روسيا، بل ولإضعاف الاتحاد الأوروبي معها.
وتابع غلازييف : تتمكن الولايات المتحدة بذلك من تحقيق فوائد عديدة أبرزها:
1- تنصل الولايات المتحدة من التزاماتٍ تعادل مئات مليارات الدولارات أمام الشركات الروسية.
2- تجميد الأصول الروسية بالدولار واليورو وإضعاف قدرة أصحابها على الإيفاء بالتزاماتهم الذي قد يؤدي إلى إفلاس بعض البنوك الأوروبية.
3- زعزعة استقرار النظام المصرفي الأوروبي وفتح تدفق الأموال نحو أمريكا.
4- تكبد الاتحاد الأوروبي نتيجة العقوبات على روسيا خسائر تصل إلى ترليون دولار، وإضعاف الاقتصاد الأوروبي وقدرته على منافسة نظيره الأمريكي.
5- التضييق على الغاز الروسي في السوق الأوروبية، عن طريق العقوبات، ليحل محله الغاز الصخري الأميركي.
6- جر الدول الأوروبية إلى حرب ضد روسيا يزيد من تبعيتها السياسية لأمريكا، مما يتيح للأخيرة فرض شروطها في منطقة التجارة الحرة العابرة للأطلسي.
7- إضعاف روسيا، يتيح إمكانية فرض السيطرة عليها ويسهل الصراع مع الصين على زعامة العالم.
8- الحرب ضد روسيا، تعطي حجة زيادة الإنفاق الحربي لمصلحة المعقد الحربي الأميركي.