أوروبا تتجرّع سمّها

11 سبتمبر 2015
عنصرية بغيضة تجاه الهاربين من جحيم بلدانهم (Getty)
+ الخط -
ينزح مواطنون من دول عدة باتجاه أوروبا. يرى جميعهم في القارة العجوز حلم الحياة الهانئة والحرية والديمقراطية المفقودة في بلدانهم.

يموت المئات من هؤلاء في طريق الهجرة، غرقاً أو جوعاً أو عطشاً أو قتلاً. باتت مشاهد موت المهاجرين سبّة في جبين العالم ودليلاً على أنّ كلّ مزاعم الغرب حول حماية حقوق الإنسان ليست إلاّ شعارات جوفاء.

تتعامل أوروبا مع الهاربين باعتبارهم عبئاً ليست مضطرة لتحمله، بل إنّ تصريحات بعض الأوروبيين، وبينهم ساسة ومسؤولون، تحمل عنصرية بغيضة تجاه الهاربين من جحيم بلدانهم.

لاحظ تلك المصطلحات البغيضة التي تُطلق على هؤلاء الفارين رغما عنهم، من عينة "مهاجرين غير شرعيين"، و"لاجئين" و"نازحين". وكلها أوصاف تتكرر في وسائل الإعلام وعلى ألسنة مسؤولين غربيين، كما ترددها ألسنة مسؤولين في البلدان التي يهرب منها الناس، وتتناقلها عنهم وسائل الإعلام.

الواقع أن الفارين بحياتهم من بلدانهم المشتعلة ليسوا مهاجرين غير شرعيين، والواقع أن هؤلاء الذين قرر أغلبهم عدم العودة إلى البلدان التي فروا منها ليسوا لاجئين ولا نازحين.

الأهم أن أوروبا ليست بعيدة أبداً عما يجري في البلدان التي باتت تصدر إليها ملايين الفارين، بل إن أوروبا لا يمكنها أن تنفي عن نفسها أبداً تهمة إزهاق أرواح من يغرق أو يقتل من هؤلاء، سواء بتركهم يموتون بلا مبالاة، أو بمواصلة دعم حكام بلادهم الذين دفعوهم إلى رحلة الموت على مدار سنوات.

احتلت أوروبا معظم الدول التي يفر منها الناس تجاهها الآن لسنوات، سرقت خيراتها ودمرت مقدراتها. وعندما ظن أهل تلك البلدان أنّ المحتل قرر أنّ يغادر بلادهم، كان الأوروبي قد جهز شكلاً جديداً من أشكال الاحتلال بوضع حاكم من مواطني البلاد تابع بالكلية للخارج ينفذ أجندة الاحتلال، بل أسوأ.

وعندما ضج مواطنون بحكامهم وثاروا عليهم، دعمت أوروبا الحكام الفاسدين ضد الشعوب. وعندما قتل الحكام الشعوب الثائرة غضت أوروبا الطرف عن المجازر. وعندما دمرت الثورات المضادة المدعومة أوروبياً الثورات الشعبية بدأت أوروبا تجني المكاسب من خلال عقود تعمير واتفاقات استغلال ثروات جديدة.

ربما انقلب السحر على الساحر، فمن دون ترتيب مسبق قرر عدد كبير من أفراد الشعوب المقهورة التوجه صوب أوروبا لتذوق القارة العجوز وبال أفعالها ولتنال نصيبها من الدمار الذي ألحقته بتلك البلدان المظلومة بدعمها للحكام الفاسدين.

ليس من حق أوروبا التذمر، فهي مسؤولة عما تعانيه الآن. وليس على الفارين من بلدانهم الاعتذار، فلهم حقوق أهدرتها أوروبا لسنوات، وربما حان وقت حساب كلّ من أجرم في حق الشعوب.

إقرأ أيضاً: نازحون إلى المجهول
المساهمون