أنقذوا شبابنا من خطر الإدمان

09 أكتوبر 2014
+ الخط -

عرف المجتمع المغربي، في السنوات الأخيرة، انتشاراً خطيراً للإدمان على المخدرات في أوساط الشباب، وخصوصاً فئة المراهقين، وهو ما أصبح يثير مخاوف الأسر المغربية وقلقها ومعاناتها، حيث لا يكاد يخلو بيت من مدمن، وكلما مررت بحي أو شارع، تصدمك مشاهد شباب صغار، يتعاطون المخدرات أمام الملأ، من دون أن يشعروا بالخوف من الشرطة، أو الخجل من نظرات الناس، ربما لأنهم يدركون أن لا أحد يعنيه أمرهم، ولا أحد يقلق في مساعدتهم على الإقلاع عن الإدمان. ولهذا السبب، قررت أن أكسر هذا الصمت غير المبرر، وإثارة هذا الموضوع المهم، مخاطبا الضمائر الحية في مجتمعنا المغربي، لإثارة الانتباه إلى أخطر ظاهرة تهدد مستقبل الأجيال الحالية والمقبلة، وهي الإدمان، من أجل أن يتحرك الجميع (الدولة بأجهزتها المختلفة والأحزاب والمجتمع المدني والأسر والأطر التعليمية..) كلٌّ من موقعه، للإسهام في انتشال هذه الطاقة البشرية من وحل الإدمان، وقبل بسط الموضوع، لا بد من السؤال: ما العوامل التي تدفع شبابنا إلى الوقوع ضحية الإدمان؟

ظاهرة إدمان الشباب قضية مركبة، تتداخل فيها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية: الأسباب الذاتية مرتبطة بوضعية الشباب المادية والمعنوية، منها الفقر، البطالة، الأمية.. لكن معظم حالات الإدمان ترتبط، بشكل أساسي، بشخصية الشاب وظروفه النفسية، حيث هناك أشخاص لديهم قابلية للوقوع في الإدمان، بغض النظر عن محيطهم الأسري والاجتماعي، وهؤلاء يكون وقوعهم في الإدمان في مراحل متقدمة من العمر، وإن كانوا يتحملون المسؤولية الأولى في الإدمان. لكن، هناك مسؤولية أخرى، تقع على الأسرة باعتبارها أول مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي يجب أن تقوم بدورها التربوي على أكمل وجه، لدرء كل خطر يهدد صحة وسلامة ومستقبل أبنائها وبناتها، فإذا كان الوالدان والإخوة يقومون بما يمليه عليهم الدين والقانون من واجب حسن الرعاية والتربية على الأخلاق والقيم المثلى، فذلك يحمي الشباب والأطفال من كل انحراف، قد يكون سبباً في الإضرار بصحتهم وضياع مستقبلهم.

وتتعلق الأسباب الموضوعية بالمحيطين، الأسري والاجتماعي، فعندما يجد الشاب داخل أسرته من يتعاطى المخدرات، فلا يُتوقع منه أن يكون مواطناً صالحاً، لأن للعامل الأسري تأثيراً كبيراً على سلوك الأشخاص وتصرفاتهم، خصوصاً في مرحلة الطفولة والمراهقة، إذ يكون الإنسان غير تاضج عقليا، ويمكنه أن يعيد تقليد انحرافات وسلوكات خاطئة من دون وعي منه. لذلك، لا غرابة في أن نجد أن أكثر المدمنين والمنحرفين نشأوا في بيئة أسرية موبوءة.

كما أن للعامل الاجتماعي دوراً كبيراً في انحراف الشباب، ففي وسط اجتماعي، ينتشر فيه الإدمان والانحراف والإجرام، يكون الشباب معرضاً للتأثر بهذا الوسط، خصوصاً في ظل غياب أو ضعف الرعاية الأسرية والتأطير التربوي، وهذا ما يفسر انتشار الإدمان بنسب أكبر في الأوساط الشعبية والهامشية، مقارنة مع الأحياء الراقية والمتوسطة، حيث تتداخل عوامل الفقر والبطالة والفراغ والتفكك العائلي والعنف، لتشكل البيئة الحاضنة للإدمان، وهناك عامل آخر، يساهم في انتشار الإدمان في الأوساط الشعبية، ألا وهو استغلال شبكات الإجرام للعوامل التي ذكرناها، لتركيز نشاطها في ترويج المخدرات بأنواعها، وهذا ما يضع أجهزة الأمن أمام مسؤولية كبيرة، للتصدي لهذه الشبكات الإجرامية التي تهدد مستقبل شبابنا، بحيث يفرض الواجب المهني والوطني عليها تكثيف مراقبتها للشبكات الإجرامية الناشطة في الأحياء الشعبية.
 
وأمام هذا الوضع، يُطرح السؤال: كيف يمكن إنقاذ الشباب المغربي من الإدمان؟

قبل الإجابة، لا بد من التأكيد على أن الوقوع في الإدمان غالباً ما يكون في المراحل الأولى من الشباب، أي في مرحلة المراهقة أو قبلها بقليل، حيث يكون المراهق في مرحلة تحوّل فيزيولوجي ونفسي، ومن نتائج هذا التحول أنه يعيد اكتشاف ذاته، وتتولد لديه الرغبة في إثبات شخصيته، واكتشاف كل جديد، وهذا ما يجعله في اندفاع جامح للتعبير عن هذا التغيير الحاصل فيه، ما يجعل أغلب الشباب في مرحلة المراهقة، يقع فريسة انحرافات سلوكية ونفسية كثيرة، في مقدمتها الإدمان.

لكن، السقوط في الإدمان لا يأتي مرة واحدة، بل يقع المراهق فيه تدريجيا، وقد يكون عن طريق أحد الرفقاء أو الأصدقاء، وهذا هو الغالب، أو أن يكون بتحفز شخصي ومبادرة فردية، تقليداً لقريب أو لبطل فيلم. ويكون الدافع لذلك هو الرغبة في اكتشاف هذا العالم الجديد، فيبدأ بالخطوة الأولى في طريق الإدمان، بتناول أول سيجارة دخان، وقد يظن أنها فقط تجربة يمكن التوقف عندها بسهولة، لكنه يجد نفسه قد أصبح متعلقا بالسيجارة، وتحدوه الرغبة في إعادة التجربة، وهكذا تتوالى المرّات مع الأيام، ولا ينتبه إلى وقوعه في شراك الإدمان، إلا بعد أن يكون قد فات الأوان، بحيث يجد نفسه غير قادر على ترك التعاطي.

وإذا كان الإدمان على التدخين أخف ضررا، فإنه، غالباً، ما يكون الخطوة الأولى في عالم الإدمان على مواد أخرى سامة ومضرة بالصحة، كالمخدرات بأنواعها والمسكرات. والإنسان، قبل الوقوع في الإدمان، تكون لديه القدرة على التحكم في سلوكاته، لأنه يمتلك إرادة وعقلاً سليمين. لكن، عندما يصبح مدمنا، يصاب بضعف الإرادة، ويختل عنده التوازن العقلي، فيكون معرّضا أكثر إلى التوغل في عالم الإدمان.

لذلك، من وسائل الوقاية من الإدمان، توعية الشباب المراهق وتحذيره، من مخاطر وضع الرجل الأولى في وحل الإدمان، وهو التدخين، لأنه يفتح على نفسه أبواباً لا يستطيع غلقها. ومع ذلك، المدمن على التدخين يمكنه الإقلاع عن هذه الآفة المهلكة للصحة والمال، إذا تسلّح بالإرادة، واتخذ قرارا بوضع حد نهائي لهذا السلوك الخاطئ، وهناك أمثلة لأشخاص كانوا مدمنين على السيجارة والمخدرات والمسكرات سنوات طويلة، وعندما قرروا التخلي عنها، تحقق لهم ذلك، وتحسّنت صحتهم البدنية والنفسية، أما إذا لم يتدارك الإنسان نفسه، ويقوم بمجهود للتوقف عن عادة التدخين، فمن الممكن أن يجره الشيطان إلى إدمان المخدرات والمسكرات. لذلك، حذر الله سبحانه عباده المؤمنين من اتباع خطوات الشيطان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). ولإنقاذ شبابنا من هذه الآفة، هناك عدة أطراف يجب أن تتحمل مسؤوليتها، أولها الأهل والمؤسسات التعليمية والتربوية، ثانيها الدولة، بكل أجهزتها الأمنية والإعلامية وغيرها من الوزارات المعنية بمستقبل الشباب.

CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
فؤاد الفاتحي (المغرب)
فؤاد الفاتحي (المغرب)