وفقاً لمعطيات من داخل إدلب وريف حماة الشمالي، فإن الفصائل المسلحة تمكنت خلال الأشهر الأخيرة من حفر شبكة أنفاق ضخمة ومعقدة على الجبهات المختلفة، تحسباً للحملة العسكرية التي كانت تخشى أن يشنها النظام السوري قبل أن تتوصل قمة سوتشي، أمس الاثنين، إلى تفاهمات بشأن مصير إدلب يجنبها الخيار العسكري.
وقال ضابط من الجيش الحر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الفصائل سواء تلك التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" أو غيرها، تمكنت خلال فترة قصيرة نسبياً من إنجاز شبكة أنفاق كبيرة باستخدام آليات ثقيلة وأخرى خفيفة خاصة بحفر الأنفاق، وجندت لهذه الغاية الآلاف من المقاتلين والمدنيين الذين تطوعوا للمشاركة في عمليات الحفر.
وقال ضابط من الجيش الحر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الفصائل سواء تلك التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" أو غيرها، تمكنت خلال فترة قصيرة نسبياً من إنجاز شبكة أنفاق كبيرة باستخدام آليات ثقيلة وأخرى خفيفة خاصة بحفر الأنفاق، وجندت لهذه الغاية الآلاف من المقاتلين والمدنيين الذين تطوعوا للمشاركة في عمليات الحفر.
وبحسب الضابط نفسه، تربط شبكة الأنفاق هذه مناطق مختلفة من محافظة إدلب مع جبهاتها، وتتضمن أنفاقاً كبيرة تسمح بتنقل الآليات والسيارات الخفيفة، وأخرى خاصة بتنقل الأفراد، وهي تشبه إلى حد بعيد تلك الأنفاق التي أقيمت في الغوطة الشرقية، قبل سيطرة قوات النظام السوري عليها في الشهر الرابع من العام الحالي.
غير أن أبو عبدو الغوطاني، وهو من الأشخاص الذين كان لهم مشاركة كبيرة في حفر الأنفاق في الغوطة الشرقية قبل وصوله إلى إدلب مع مهجري الغوطة، قال لـ"العربي الجديد"، إن معظم الخبرات التي خرجت من الغوطة سواء كانت مدنية خدمية أم طبية أم عسكرية، لم يتم الاستفادة منها في الشمال السوري، وغادر كثير من الأشخاص باتجاه تركيا.
وحول التقنيات المستخدمة في حفر الأنفاق، قال أبو عبدو إن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التقنيات ويعتمد بالدرجة الأولى على كثرة اليد العاملة، ووجود عدد من المهندسين وبعض أصحاب "العقول المنفتحة"، إضافة الى بوصلة وأجهزة المساحة البسيطة. وتحدث عن أبرز المشاكل التي كانت تواجههم خلال حفر الأنفاق، منها أن بعض المناطق كان فيها مياه جوفية، والبساط المائي فيها سطحي، لذلك لم يتمكنوا من الحفر فيها إضافة إلى المشكلات المادية المتعلقة بالتمويل، مع عدم وجود جهات داعمة.
وكانت قوات النظام، وعلى مدى نحو شهرين، حشدت قوات كبيرة في محيط محافظة إدلب الواقعة في الشمال الغربي للبلاد وتضم نحو 3.5 ملايين شخص، فضلاً عن عشرات آلاف المقاتلين الذين يقول النظام السوري وروسيا إن بينهم آلاف المنتمين إلى تنظيمات إرهابية، وهو ما كانوا يرتكزون عليه لبدء عملية عسكرية، عارضتها تركيا، وتوصلت أمس الاثنين إلى تفاهمات مشتركة مع روسيا لتجنيب المحافظة ويلات الحرب.
وأضاف أنه خلال معركة الجنوب السوري كان من الواضح أن المشكلة الكبرى التي واجهت المقاتلين والمدنيين على السواء هي غياب الأنفاق والملاجئ التي يمكنهم الاحتماء بها خلال الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي المركز، ما جعل إمكانية الصمود في المعركة محدودة، وسهل على النظام التقدم باتجاه مناطق المعارضة.
وأوضح أنه في بعض المناطق مثل جبل الزاوية، التي ينحدر هو منها، لا حاجة لبناء الملاجئ والأنفاق لأن فيها وديانا وكهوفا كثيرة تتسع لعشرات آلاف الأشخاص، ناصحاً الأهالي في المناطق السكنية بأن يقوموا بأنفسهم بتجهيز ملجأ لكل عدة عائلات يمكن الاحتماء به خلال عمليات القصف.
وأشار العميد رحال إلى أن أهالي ريف اللاذقية أنجزوا العديد من الملاجئ "الشعبية"، "وهي تجربة ينبغي تعميمها على كل المناطق لتخفيف الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة عمليات القصف العشوائي الجوية والمدفعية".
وبالنسبة للجبهات، أعرب رحال عن اعتقاده بأنها باتت مجهزة إجمالاً بالأنفاق والملاجئ ما سيكون له أثر إيجابي على صمودها في وجه أي محاولات للتقدم من جانب قوات النظام.
وأدت الأنفاق دوراً حاسماً في تخفيف آثار الحصار على مناطق تعرضت للحصار كقطاع غزة مثلاً، إذ حفرت حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى مئات الأنفاق بين القطاع ومصر، وبعضها بين القطاع وفلسطين المحتلة، بغية التسلل الى الأهداف العسكرية الإسرائيلية، قبل أن يتم ردم معظم أو كل هذه الأنفاق في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.
وقال مصدر في المعارضة السورية إن تجربة "حماس" في حفر الأنفاق كانت ملهمة لكثير من المناطق السورية في مواجهة قوات النظام.
وخلال سبع سنوات من الحرب، شكلت الأنفاق أحد أقوى الأسلحة التي استخدمتها فصائل المعارضة في تسهيل حركتها والانتقال بين منطقة وأخرى، وشنّ هجمات كان من شبه المستحيل معرفة من يقف خلفها نظراً للقدرة الكبيرة التي أتاحتها تلك الأنفاق في توجيه ضربات موضعية، قبل الذوبان كالملح من محيط المواقع المستهدفة. وأوقع هذا الأمر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في إرباك كبير خلال الأعوام الأولى للحرب، قبل أن يبدأ في التعرف عليها اعتباراً من العام 2013.
وبحسب هذا الضابط، فإن شبكات الأنفاق "العنكبوتية" تم حفرها بتقنيات متطورة لبناء شبكة تنقّل تحت كل بلدة، ترتبط بدورها مع مقر قيادة واحد، ولتربط بين جميع مناطق وبلدات الغوطة الشرقية بعضها ببعض، وتؤمن عبور الآليات والسيارات والمقاتلين والإمدادات.
وأشار الى أن أحد الأنفاق التي تم اكتشافها أخيراً، في بلدة عين ترما يمتد كيلومترات عدة على عمق 15 متراً، ويتفرّع إلى فرعين يصل الأول عين ترما ببلدة زملكا شمالاً، بينما يمتد الآخر إلى جوبر غرباً، ويحتوي العديد من التفرّعات والمقرّات. يضاف إلى ذلك شبكة أنفاق ثانية تحتوي على ممرات سيارات يصل طولها إلى كيلومترات عدة تربط بين بلدات عربين وعين ترما وزملكا وجوبر، مزودة بكاميرات رقابة وشبكات خدمة. كما تم اكتشاف نفق ضخم في مدينة دوما كان مخصصاً كسوق تجاري.
وفي السياق، شكلت حكومة النظام لجنة لدراسة واقع "أنفاق الغوطة الشرقية" ووضع الخرائط الخاصة بها. ووفقاً لمصادر النظام فإنه تم حتى الآن اكتشاف 278 نفقاً تمتد من محيط دمشق إلى مناطق عدة تحت أحيائها. وهذه الانفاق، بحسب مصادر النظام، كانت بمجملها تتجه من مناطق سيطرة الفصائل نحو دمشق أو باتجاه قطعات عسكرية على أطرافها، وهي في غالبيتها أنفاق للتنقل الفردي وليس لمرور الآلات والمركبات. أما الأنفاق المخصصة لتنقل المركبات فهي موجودة فقط في المناطق التي كانت بمثابة معاقل آمنة للفصائل المسلحة لكون هذه الأنفاق يمكن اكتشافها من خلال صوت الحفارات.
ووفقاً لمصادر النظام فإن حفر أنفاق المسلحين أُّنجز بآليات حفر "غربية الصنع" تم إرسالها من السعودية وتركيا عبر الحدود الشمالية والجنوبية، كما وصل بعضها عبر الحدود اللبنانية، إضافة إلى استخدام اليد العاملة. وتقول إن فصائل الغوطة عمدت الى تفجير بعض الحفارات المستخدمة في عمليات الحفر قبل مغادرتها الغوطة باتجاه ادلب، وإن "القوى الخارجية الداعمة" لفصائل المعارضة زودتها أيضاً بخبرات هندسية وأجهزة متطورة للتوجيه عن بعد ولتحديد الاتجاهات والإحداثيات، باعتبار أن البوصلة العادية لا تعمل بكفاءة تحت الأرض.
غير أن أبو عبدو الغوطاني، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، أكد أنه تم حفر الأنفاق في الغوطة بقدرات محلية وباستخدام آلات بسيطة مثل المعاول والمجارف إذ إن آثار هذه الأدوات، ظاهرة بشكل ملحوظ في كل الأنفاق المنجزة.
كما أكد المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ادعاءات النظام هذه غير صحيحة، والأنفاق في الغوطة أنجزت بالإمكانيات المحلية المتاحة وبهمة عالية من أهالي الغوطة وشبابها. ولفت إلى أن معظم أنفاق الغوطة كانت للتجارة وليس للأعمال العسكرية، وكان النشاط فيها يتم بعلم النظام وبالتنسيق معه، حيث كانت مصدر تمويل للنظام الذي جنى منها أموالا طائلة مستغلاً الحصار الذي كان يفرضه على نحو 400 ألف شخص من أجل بيعهم السلع الأساسية بأسعار أغلى من سعرها الحقيقي بمرات عدة.