ما عاشته التشيلي من تقلّبات سياسية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، كانت له انعكاساته على الأدب والشعر والسينما، والأغنية أيضاً. جميع هذه الميادين كانت تتقاطع في قلب فنان تشيلي عاش معظم حياته بعيداً عن سانتياغو؛ أنخيل بارا، الذي رحل يوم السبت الماضي في باريس عن 73 عاماً.
منذ بداياته الفنية، قرّر أن يحمل اسم أمه لا أبيه. لم يكن خياراً عاطفياً فقط، فقد كانت والدته هي المغنّية فيوليتا بارا (1917 – 1967)، أيقونة الأغنية الملتزمة في أميركا اللاتينية، والتي انتحرت سنة 1967 حين كان ابنها أنخيل في سن الثالثة والعشرين.
المفارقة أن انتحار والدته لا يبرز كمأساة في نصوص أغانيه أو في كتاباته الأدبية، وقد نشر في 2006 كتاب يوميات بعنوان "فيوليتا هربت إلى السماء"، لم يشر فيه إلى وقعٍ صادمٍ لانتحارها، كما يظهر ذلك في مساهمته في إنجاز فيلم أخرجه أنريس وود عن حياتها في 2011.
بالنسبة للمغنّي التشيلي، كانت فيوليتا امرأة رائعة تجوّل بفضلها في كامل تشيلي، وبفضلها أيضاً خالط وجوه الثقافة الأميركولاتينية مثل أعضاء فرقة "كويلابايون" وفكتور خارا (الذي اغتيل في 1973)، وبابلو نيرودا وخوليو كولتثار.
هكذا، يمكن اعتبار فيوليتا محوراً أساسياً في مشوار بارا، ولكن علينا أن لا ننسى الجانب الأكثر ظهوراً، وهو الأغنية التي كان يكتب نصوصها ويلحّنها ويؤدّيها. أغنية ذات مكوّنات ثابتة، بُعدٌ سياسي لا يغيب وبساطة الكلمة واللحن في سبيل قول الواقع كما هو. وكلما تقدّم في العمر، كان النفس التعبوي يتقلّص لصالح صبغة تأملية.
حين نقارن بين المغنّي والكاتب، يبدو لنا بارا وقد كتب الشيء نفسه (حياته) بأسلوبين مختلفين. هذه الثنائية تبرز في روايته "أيادي على الرقبة" (2007)، وفيها يعود إلى أحداث 1973 والانقلاب العسكري على الرئيس سالفادور أليندي. تلك الأحداث التي ألقي فيها القبض على بارا لمشاركته في المظاهرات المضادة للانقلاب.
بعد مروره من معتقل "شاكابوكو"، جرى الحكم عليه بالنفي، فانتقل أوّلاً إلى المكسيك، قبل أن يقرّر العيش في فرنسا بدعوة من أسماء فنية، مثل إيف مونتان وشارل أزنفور. هناك، أصبح بارا أحد أبرز وجوه الدياسبورا التشيلية، ونشط كصوت ضد الديكتاتورية ولن يعود إلى بلاده إلا في 1988، قبل أن يقرّر البقاء في "المنفى".
بدأ بارا العام الجاري بكثير من الحيوية، حيث أصدر في كانون الثاني/ يناير كتابين "أغنيتي التشيلية الجديدة" و"الطفل يغنّي للعالم". وفي 11 آذار/ مارس "هرب إلى السماء" ملتحقاً بفيوليتا.