أنا شارلي وآخرون

17 يناير 2015

أطفال في غزة يتضامنون مع فرنسا (12 يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
منذ الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، انطلقت حملات تضامنية في فرنسا والدول الغربية والعربية، تحت شعار "أنا شارلي". حملات عفوية بالمطلق، ولا تستهدف غير تأكيد أن الجميع، من دون استثناء، هم ضحايا للتطرف، من دون ذكر ما إذا كان تطرفاً إسلامياً أو غيره. لكن الأمر لم يعجب "غيورين" عديدين، في العالم العربي خصوصاً، ووجدوا فيها تماهياً مع الغرب في قضاياه، ونسياناً للقضايا العربية الأكثر أولوية، لتنطلق حملات مضادة تحت مسمى "أنا لست شارلي" أو "أنا أحمد"، في إشارة إلى الشرطي المغربي الفرنسي المسلم الذي قتل في الاعتداء، أو "أنا محمد الدرة"، وغيره من الأسماء التي تمثّل قضايا عربية محقة ومنسيّة، أو متجاهلة من العالم.
قد تكون الحملة مفهومة على اعتبار أنها محاولة للتذكير بالضحايا العرب والمسلمين الذين سقطوا على أيدي إرهاب من نوع آخر. لكن، ليس بالضرورة أن تكون عدائية تجاه كل مواطن عربي أو مسلم، قرر التضامن مع شارلي، ومع فهمه لحرية التعبير التي قد لا تعجب الآخرين. قرار المتضامنين مع شارلي لا يستدعي حملة تخوين أو استهزاء أو إطلاق صفات التماهي مع الغرب التي رأيناها في أعمدة صحافية، أو في مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجّت بحملات تصل إلى حد إعطاء الذرائع للقتلة، وهذا أمر آخر.
أن أكون أنا أو غيري متضامنين مع شارلي لا يعني أني لا أرى أحمد، ذلك الشرطي المسلم الذي سقط في محاولته الدفاع عن مقر الجريدة الفرنسية، بل إن الاثنين يصبان في خانة قضية واحدة، وأنا شارلي يعني تلقائياً أني أحمد أيضاً.
أن أكون شارلي لا يعني أني أتجاهل ما يتعرض له الفلسطينيون منذ 67 سنة وأكثر من اضطهاد وتشريد وقتل وأسر، تحت أنظار المجتمع الدولي والدول الغربية، ومنها فرنسا التي ساهمت في التغول الإسرائيلي في الأراضي العربية. من الممكن أن أكون فلسطينياً ومعادياً ومواجهاً للاعتداءات الإسرائيلية والدعم الغربي لها، وفي الوقت نفسه، أكون شارلي الرافض للقتل لمجرد الاختلاف في الرأي.
أن أكون شارلي لا يعني أنني أسقطت ملايين اللاجئين السوريين القابعين في الثلوج من حسابات تضامني، سواء بالفكر أو الممارسة. ولا يعني أنني لا أرى دوراً للدول الغربية الاستعمارية في المأساة التي يعيشها السوريون منذ أربع سنوات، ومعاناتهم بين نيران النظام من جهة، وداعش والنصرة من جهة أخرى. من الممكن أن أكون هنا وهناك في آن.
أن أكون شارلي لا تمنع في أن أكون واقفاً إلى جانب العراقيين الغارقين في الفوضى التي خلفها الاحتلال الأميركي، ومعارضاً للطائفية الخارجة من القمقم الاجتماعي، وأكون متضامناً مع الإيزيديين الداشرين في الجبال والملاحقين بسكاكين داعش، وغيرها من الفصائل الإسلامية التي خرجت من رحم الأزمات المتلاحقة في المنطقة، والتي للغرب يد طولى فيها.
رفع لافتة التضامن مع ضحايا الجريدة الفرنسية، لا تؤشر بأي شكل إلى أنني لا أرى ضحايا في مكان آخر، ولا أقف إلى جانب المعتقلين في السجون المصرية، أو أمقت قتل الأنظمة البوليسية، العربية وغيرها، للمتظاهرين في الشوارع، أو أستهجن جلد المدون السعودي، رائف البدوي، لمجرد أنه كان لديه رأي مغاير للسائد. من الممكن أن أكون شارلي ورائف ومحمد وأحمد وفاطمة.
أن أكون شارلي يعني أن أدافع عن حقي في الاختلاف عن السائد، وممارسة اختلافي من دون الخوف من سكين يحز عنقي، أو رصاصة تخترق رأسي، أو أن أجلد على الملأ أمام جموع من البشر، تهلل وتكبّر من دون أن تعلم كيف ولماذا. أن أكون شارلي يعني أن أدافع عن حقي وحق الآخرين في التفكير والنكران والتشكيك واستنباط رؤى مختلفة لكون لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة.
لهذا كله، أنا شارلي، وأنا آخرون أيضاً.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".