أمين معلوف.. وعي مزيّف لاختلال العالم

11 يونيو 2016
(معلوف في مناسبة لـ"الأكاديمية الفرنسية" أيار 2015، تصوير:هوماس سامسون)
+ الخط -
حين يراجع المرءُ خطاب "أمين معلوف"، كما تجلى في رواياته، ويقرأ بعناية مقالته الإنشائية المسماة "الهويات القاتلة"، وأخيراً في مقالات كتابه "اختلال العالم"، وحين يستبعد الصور الدعائية التمثيلية التي شاعت عن منتجاته الثقافية هذه؛ سيجد مشاركته في برنامج قناة تلفازية "إسرائيلية" كأنه في زيارة لبيته، أمراً طبيعياً لا يصدم ذائقة ولا حساسية، بل ولا يستحق إثارة ذرة غبار واحدة.

لماذا؟ لأن صورة العالم كما يدركها هذا الكاتب صورة زائفة من حيث الجوهر، فهو عالم أساس الصراع فيه اختلاف الهويات الدينية أوالإثنية أو القومية أو ربما مقاسات ربطات العنق.. أو أي هوية من أي نوع، لا قوى اجتماعية/اقتصادية/عسكرية تقف وراءها نظم الرأسمال الباحث عن الثروات والممرات إليها؛ عن القطن والسكر والمطاط والكاكاو حتى وقت قريب، واليوم عن النفط والغاز والمعادن وجني المليارات من صناعة الأسلحة.

وإمعاناً في هذا التهويم، يطلق على هذا العصر لقب "عصر هويات" مشكلته الكونية "كيف يمكن لأناس مختلفين أن يعيش بعضهم مع بعض". تماماً كما أطلق المخابراتي هنتنغتون موجة تزييف للوعي عنوانها "صدام الحضارات" في تسعينيات القرن الماضي، وكما يروّج برنارد لويس موجة من النوع نفسه يزعم فيها أن رفض الحداثة والعقلانية هو سبب عداء العرب للغرب، وليس ما أوقعه الاستعمار الغربي ببلادهم، وما زال، من خراب اقتصادي واجتماعي وثقافي منذ القرن الخامس عشر، حين اقتحمت أساطيله الشواطئ العربية غرباً وسواحل المحيط الهندي شرقاً، وقطعت شرايين الحياة عنها، ودمرت اقتصادها، وألحقتها بأسواقها الرأسمالية، وأرست فيها قواعدها العسكرية، وخاصة قاعدتها الاستعمارية التي لفقوا لها اسم "إسرائيل"، ذاك الذي لم يكن له وجود على الأرض في أي يوم من الأيام.

لا أعرف إن كان الكاتب أمين معلوف يجهل هذا أم لا، لأنه لا يقيم مناقشاته، شأنه في ذلك شأن كثير من الكتاب ذوي الوعي الزائف، على أدوات تحليل ملائمة لفهم العالم من حوله، فهو لا يعنيه إن كانت هذه المسماة "إسرائيل" مستعمرة قامت على اغتصاب الأرض الفلسطينية، ولا يعنيه أن تحمل هذه المستعمرة فكراً لا علاقة له بالحضارة والإنسانية، وهي جملة مشروع اغتصاب وإبادة لكل ما هو عربي على هذه الأرض.

وهذه كتاباته منشورة ومنتشرة، تتناثر فيها أفكار عُرفت منذ ستينيات القرن الماضي، في روايات مثل الرواية التاريخية الشهيرة "الإله ولد في المنفى" للكاتب الروماني فنتيللا هوريا، ورواية لبناني/ استرالي يحمل اسم ديفيد معلوف عنوانها "حياة متخيلة"، حيث "يمكن أن يعيش الناس بسلام، فقط إن لم يكن أحدهم خائفاً من الآخر. فالخوف يجعلنا نتكلم بلغات مختلفة، وتصبح الحياة حرباً لا نهاية لها.. يخترع الناس فيها أسلحة بدل أن يخترعوا كلمات السلام". والسعادة حسب بطل هاتين الروايتين الشاعر الروماني "أوفيد": " تعني ضمنياً أن يكون سيد نهاراته ولياليه، ولا يجبره أحد على قتل إنسان. وبهذا تتحقق حريته.. وماذا يريد الإنسان أكثر من هذا"؟

هذا النوع من "الإنسانية" الفردية بكل ما تعنيه كلمة الفردية من عزلة وانعزال، لا ترى في الإنسان جملة علاقاته وتفاعله مع محيطه، بل تراه كرة بلياردو أو ذرة هائمة ("حرّة") في الفضاء، ولا ترى في الجماعات الإنسانية بروابطها وعلاقاتها إلا جماعات متخيّلة، لا أساس مادي تنهض عليه من أرض وتاريخ واقتصاد وتراث ثقافي... إلخ

بالطبع، المقصود بالجماعات التي روابطها متخيلة الشعوب غير الغربية، وبخاصة الشعب العربي الذي لا يستطيع كاتب مثل أمين معلوف تحمّل ذكر اسمه على لسانه، ولم يمر هذا الاسم في ذهنه ربما.

ألا يلفت النظر إصرار أصحاب هكذا فردية على أن الخليط السكاني في المستعمرة المسماة "إسرائيل" يشكل "شعباً"؟ وأن المتخيل، الذي مشكلته ليس احتلال أرضه وإبادة أطفاله، هو الشعب الفلسطيني؟

المساهمون