أكد أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ71، اليوم الثلاثاء أن تجاهل الضعف في النظام القانوني والمؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة وعجزها في كثير من الحالات عن تطبيق معايير العدالة والانصاف في آليات عملها، لم يعد ممكناً، مشيراً إلى أن بعض الدول "تستمر باتباع نهج العمل خارج نطاق الشرعية الدولية في ظل تقاعس دولي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن".
وتطرق أمير قطر في كلمته إلى القضية الفلسطينية وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وإلى التطورات المتسارعة بسورية، مؤكداً أن الشعب السوري ثار ضد نظام "ديكتاتوري قمعي" تجاوز كل الخطوط الحمر، وأن المجتمع الدولي يقف موقف المتفرج أمام ما يحصل في المدن السورية من عمليات تطهير ديموغرافي مفضوحة، وأنه عاجز أمام حرب الإبادة التي تشن على الشعب السوري.
وأضاف أن هناك "انتقائية في عمل مجلس الأمن في معالجة القضايا، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الدول للقوة في العلاقات الدولية".
وبخصوص القضية الفلسطينية، أكد أمير قطر أن "بعد مرور أكثر من سبعة عقود على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، لا تزال القضية الفلسطينية تنتظر الحل العادل"، وأن حكومة الاحتلال تستمر "برفض قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام الشامل العربية، بل تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع عبر خطط استيطانية طويلة المدى في الضفة الغربية والقدس".
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية "تقيم احتلالها على التمييز والفصل العنصريّ، إذ تنشئ نظامين حقوقيين في ظلّ سيادتها، واحدا للمحتلين وواحدا للواقعين تحت الاحتلال"، وذلك وسط صمت دولي. وشدد على أنه "لا يمكن أن تقبل الشعوب العربية بأي نوع من تطبيع العلاقات معَ إسرائيل مع استمرار الاحتلال وممارساته، وقبل تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية".
وقال إن الخيارات أمام إسرائيل تضيق، مضيفاً "ماذا سوف تفعل إسرائيل بملايين الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضهم ويصبحون أكثر عددًا ووعيًا في الوقت ذاته؟ الخيارات تضيق، فإما حل الدولتين أو إقامة نظام فصل عنصري. وهل تعتقد إسرائيل فعلًا أنه سوف يمكنها الحفاظ على نظام فصل عنصري في القرن الواحد والعشرين؟"
وشدد على ضرورة "وقف الاستيطان واحترام الوضع القانونيّ للقدس الشريف، ورفع الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان السوريّ المحتل".
وبخصوص التطورات في سورية، أكد أمير قطر على أن الجميع يعرف "أنّ الثورة السورية بدأت انتفاضةً شعبيةً سلمية الطابع ضد نظام ديكتاتوري قمعي". وتابع: "ظلّ هذا الشعب العظيم يتعرّض للقتل في مظاهرات سلمية وللتعذيب في السجون طوال عام دون أن يتحوّل إلى السلاح، ثم نشأت مبادرات دفاعية محلية. ولأنها بدأت محليةً عفويةً فإنها لم تتمكن من تنظيم نفسها كجيش تحريرٍ موحد، كما ينبغي أن يحصل، وذلك رغم المبادرات المهمة للجنود والضباط المنشقين".
وأوضح الأمير في كلمته أمام الجمعية العامة أنه خلال "هذه الفترة حاول النظام السوري جرّ الثورة إلى العنف بشكل مدروس، كما حاول عبر خطاب سياسي موجه شقّ الشعب السوري الى طوائف، وكان الشعب يردّ بالهتاف "واحد، الشعب السوري واحد". وكان شعار النظام المعلن "الأسد أو نحرق البلد". وربما لم يدرك كثيرون أنّ هذا الشعار هو في الواقع مشروع النظام وبرنامجه الوحيد والحصري".
وتابع أنه "نظريًا، وقفت غالبية دول العالم مع الشعب السوري. وعمليا، تُرِك وحيدًا يدعمه بعض الأصدقاء المخلصين". وأشار إلى أن النظام السوري خرق الخطوط الحمراء دون تحريك أي ساكن، مضيفاً "ظلّ الخط الأحمر يتحرَّك حتى فهم النظام أنه لا يوجد سقف لما يمكنه ارتكابه دون حساب". وشدد على أن النظام السوري بات يستورد المنظمات الإرهابية والمليشيات التي تشكل خطراً على الأمن الإقليمي.
وأشار إلى أن "قوى متطرفة عنيفة" دخلت إلى الساحة السورية "لا علاقة لها بأهداف الثورة السورية، وترفض أن ترفع علمها، وحاربت الثوار أكثر مما حاربت النظام، وحصلت تجاوزات كثيرة؛ ولكن لا يمكن فهم هذه الظاهرة التي أساءت للثورة بدون سياسة القمع الهمجي التي اتّبعها النظام السوريّ، وعجز المجتمع الدوليّ عن حماية المدنيين من الأسلحة الكيماوية والقصف بالبراميل المتفجرة وسياسة التعذيب".
وتطرق أمير قطر إلى مقاومة مدينة داريا السورية التي تعرضت للتهجير، وقال "قدمت مدينة داريا نموذجًا للثورة السلمية التي بدأت برمي الجنود بالورود. وبعد مذابح كبرى سقط في إحداها (يوم 25 أغسطس 2012) المئات، غالبيتهم من النساء والأطفال، اضطرّت مثل غيرها أن تدافع عن نفسها".
وأضاف "ومنذ ذلك الحين تعرّضت داريا للقصف المتواصل وحصار التجويع. لم يسيطر عليها تنظيم تكفيري متطرف، ولم يرتكب ثوارها تجاوزات". وتساءل "لماذا انتهى سكانها إلى أن يتفرّج المجتمع الدوليّ على تهجيرهم في عملية تطهير ديموغرافي مفضوحة؟ لماذا لم يصدر تحذير ضد قصفها وتهجير سكانها كالإنذار الذي صدر ضد قصف قوى أخرى في الحسكة مؤخرًا؟"
وأضاف "نحن نعتبر ذلك الإنذار في مكانه. ولكن لم يصدر مثله بشأن داريا، ولا معضمية الشام ومضايا والزبداني وغيرها من البلدات المهدّدة بالتهجير؟ هذا ما يتساءل عنه المواطن السوري". وشدد على أن المجتمع الدولي "عجز عن حماية مدنيي سورية من حرب إبادة وتهجير معلنة شنَّت عليهم في وضح نهار القرن الواحد والعشرين".
وأكد الشيخ تميم أنه "لا نستطيع أن نخدعَ أنفسنا أو شعوبنا، فمن غير المقبول أن تُشلَّ إرادة المجتمع الدوليّ أمام مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وليس صحيحًا أنّ حماية الشعب السوري لم تكن ممكنة. لقد سمح المجتمع الدوليّ بتدخلات عسكريةٍ غير مشروعة لقلب أنظمة حكم في منطقتنا؛ وما زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم. وكثيرون منا يتحملون جزءا من المسؤولية عن ذلك للأسف"، مضيفاً أن "المجتمع الدولي نفسه امتنع عن حماية شعب أعزل، مع أن هذا الشعب أثبت أنه قادر أن يغيَّر نظام الحكم بنفسه لو تمّت حمايته من القصف".
من جهة ثانية، شدّد أمير قطر على ضرورة أن "يرتكز الحوار بين الدول على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير".
وبخصوص العراق، قال إن إنجاح الحوار يتطلب "تغليب منطق التوافق السياسيّ والاجتماعيّ وترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة، المتساوية أمام القانون، بعيدًا عن الطائفية بكافة أشكالها".
كما تطرق إلى الأوضاع في اليمن، مؤكداً دعم قطر "عودة الشرعية سبيلًا وحيدًا لضمان أمنه ووحدته واستقراره".
وبخصوص ليبيا، قال إن الوضع في ليبيا "لا يزال مضطرباً، إلا أننا نتطلع إلى استعادة الاستقرار عبر الجهود التي يبذلها المجلس الرئاسيّ والحكومة الحالية، بدعم من المجتمع الدوليّ، والتصدي للإرهاب والتعامل مع آثاره الخطيرة"، مشيراً إلى أن قطر ساهمت "في إنجاح الحلّ السياسيّ الدولي". غير أنه حذّر من أن "عدم الاستقرار سيلحق ضررًا بالغًا بما أنجز، وسيقوّض جهود الأمم المتحدة الرامية لتعزيز التوافق الوطنيّ الذي أكدّ عليه مجلس الأمن".
وأبدى استغرابه "من قيام دول بدعم قوى ترفض الحلّ الدوليّ، وتعمل على إفشال قرار مجلس الأمن بالقوة، مع أن القرار ينصّ على معاقبة مثل هذه القوى. وفي الوقت الذي تنشغل فيه قوى وضعت نفسها تحت تصرف المجلس الرئاسي في مكافحة الإرهاب تستغل قوى أخرى رافضة للحل الدولي لكي تحتل موانئ تصدير النفط في ظل صمت دولي: هل هكذا نشجع الليبيين على مكافحة الإرهاب".
وتطرق أمير قطر إلى ظاهرة الإرهاب، وقال إن "التعامل بمعايير مزدوجة مع هذه الظاهرة، أو ربطها بدين أو ثقافة بعينها، أو إعفاء الحكومات التي ينطبق على سياستها وصف الإرهاب من هذه التهمة، يعقِّد الجهود لاستئصالِ الظاهرة، ويقوي الذرائع التي يستخدمها الإرهابيون". وخلص إلى أنه "لا يجوز التفريق بين حياة المدنيين في إسطنبول وباريس وغزة ونيويورك وحلب وغيرها". كما تطرق إلى مشكلة اللجوء ودعا إلى تعاون دولي من أجل حلها.