أميركا لن تضرب داعش في سورية

06 سبتمبر 2014

قُداس في مدينة روتشستر الأميركية لروح الصحافي جيمس فولي(24أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

يتمتع النظام السوري بحساسية مفرطة لالتقاط اتجاهات السياسة الأميركية في المنطقة، ربما نجد تفسيرها في خوفه الشديد والتاريخي من أي تحرك لهذه القوة الأكبر على وجه المعمورة، والتي لم تكُن علاقته بها دائماً حسنة، فقد وصلت في أزمة السلاح الكيماوي، قبل سنة، إلى حافة الهاوية.

سبق أن وضع الأسد، الأب، جيشه "العقائدي" تحت إمرة الجيش الأميركي في عملية "عاصفة الصحراء"، في تسعينات القرن الماضي، بمواجهة جيش عربي آخر، ليكون جزءاً من حلف "أميركي" مدجج بأحدث أنواع الأسلحة، ما زالت تداعيات تدخله لإسقاط النظام العراقي تتفاعل.

يعتقد الأسد، الابن، بأنه يمارس سياسة سبقه إليها والده. فالأب قايض عمله "مجنّداً أجيراً" في الجيش الأميركي، لمواجهة الجيش العراقي، بإطلاق يده في لبنان، للقضاء على تمرد الجنرال ميشال عون. واليوم يقايض استعداده لتقديم كل ما يملك من معلومات وقوات وعلاقات على الأرض، في مقابل إبعاد شبح التدخل ضده لوقف ما يفعله بالسوريين، وهذا ما يترجمه بتكرار مقولات تمسكه بـ"السيادة الوطنية ومبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية.. إلخ".

ولكي لا نكون عاطفيين، فإن قراءة نظام الأسد، انطلاقاً من أن السياسة تُبنى على الوقائع وحقائق الأرض، وليس على الأمنيات والتصريحات والأقوال، ليست بلا أساس، فطموحه للانتقال من كونه أُسَّ المشكلة، ليصبح جزءاً من الحل، ضمن استراتيجية أميركية ضد داعش، تستند إلى معرفته بإشكالات التدخل الأميركي في سورية، والتي يمكن إجمال أبرزها في أربع معضلات.

أولاها، غياب الشريك، ما يعبّر عن نفسه بتردّد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وإدارته، لأن فعل ما لا بد فعله يفترض وجود خطة متكاملة وناجعة، وليس مجرد لكمات داخل العمق العراقي، بل شمول العمليات العسكرية مواقع داعش في العمق السوري، وهذا، بداهة، يتعذّر إنجازه بغياب الشريك على الأرض. وثانيتها، عدم ضمان النجاح. وتبرز هذه المعضلة على شكل سؤال، لماذا الشركاء، ومَن هم؟ ولا يحتاج الجواب ذكاءً، فكل متابع لسياسات إدارة أوباما، يدرك أنها، وبعد تجارب أميركية مريرة ومخيّبة في العراق وأفغانستان، لا تريد عملية فاشلة، ولا تريد خسائر بشرية، فهي يمكنها أن تستخدم آله حربها للقصف من الجو، لكن هذا وحده لن يكفي، مهما كان فاعلاً، فلا بد من وجود مَن يمسك الأمور على الأرض، ويمشّطها من الأعداء. وثالثتها، من يملأ الفراغ: إن طرد داعش والنصرة وتحطيمهما بقوة النيران، لا بد أن تكون لصالح طرفٍ ما، لا بد من وجود طرفٍ قادر على ملء الفراغ، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ضمن مشروع مقبول أميركيّاً، في الرقة وفي دير الزور وحلب، وكل أماكن وجود سيطرة لداعش وجبهة النصرة. ورابعة المعضلات، الخوف من تجيير أي خطوات أميركية لصالح النظام، وهذا ما يحاول الحكم السوري استغلاله بخبث، لأن عدم وجود شريك مناسب، ومقبول أميركياً، وقادر على فرض سلطته على الأرض، يجعل أي عمل عسكري يصبّ في مصلحة الطرف الأقوى، أو أنه سيقود إلى الفوضى، وعدم السيطرة على النتائج. وفي هذه الحالة، تصبح كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها أن تذهب النتائج في صالح النظام.

ومنطق العملية العسكرية ضد داعش في العراق، تقودها بالضرورة إلى سورية، ودخول الحرب ضد داعش في سورية إما أن يكون في صالح النظام، أو ضده، وباستبعاد النظام والاستغناء عن خدماته، يعني إعلان الحرب عليه، وتشكيل ميزان قوى على الأرض يتدحرج وصولاً إلى القضاء عليه، ولو بعد حين، وهذا يحتاج إلى عمل وترتيبات تستغرق وقتاً، عكس ما هو حاصل في العراق.

هذه الحقيقة التي يدركها النظام، وهي ما قد يفسر "تخاذله" في معركة مطار الطبقة العسكري، وتراجعه عن وعدٍ قطعه بنفسه في "خطاب القَسَم" بتحرير الرقة، بهدف تضخيم خطر داعش. ويفسر تواطؤه الموضوعي لتمكين جبهة النصرة من السيطرة على المعبر الحدودي في الجولان، ليبعث رسائل صريحة، ليس فقط لأميركا، بل لإسرائيل أيضاً، وللقوى الغربية عموماً، مفادها بأن ما حصل في الرقة قد يتكرّر في كل مناطق سورية، ما يعني أن إسرائيل وكل المنطقة في خطر داعش. ولسان حاله يقول: أنا الشريك الأقوى والأكثر تنظيماً، والذي جرى اختباره في تجربة تسليم الكيماوي، أنا مَن لديه المعلومات والقدرة على تسخير ما يملك من قوات، وحدي ولا أحد غيري.

يقول النظام هذا، وهو يدرك أن القوى الأخرى مبعثرة، وأضعف من أن تسيطر (الجيش الحر)، أو أنها "قوية"، لكن، لا يمكن الاطمئنان إلى نواياها، والمقصود هنا الفصائل الإسلامية، وهذا ما حاول أن يشير إليه وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في مؤتمر صحافي، قبل أيام، حينما هاجم "الجبهة الاسلامية" ووصفها بأنها شريك النصرة وداعش.

ويدرك النظام بحدس الضحية، أنه أمام خيارين، أن يكون جزءاً من العملية ضد داعش والنصرة، وفي هذا خلاصه ولو إلى حين، أو انه سيواجه أميركا في عملية ستتدحرج حتماً ضده، لتصبح بداية النهاية لسقوطه، وهذا ما يفسّر توزيعه التهديدات ذات اليمين وذات الشمال.

وفي المقابل، تدرك إدارة أوباما أن تدحرج العملية ضد داعش والنصرة لتطال النظام، يحتاج ترتيبات واسعة، وضربات تشلّ ما تبقى لديه من قوة، وتحتاج لوجود معطيات غير متوفرة حالياً على الأرض، ما يعزز مخاوفها بأن لا تستطيع السيطرة على نتائجها.

من هنا، إن الدعوات لتشكيل جبهة واسعة تضم الجميع، سياسيين وعسكريين، حول خطة موحّدة، ميثاق شرف يجمع الائتلاف والجيش الحر والفصائل الإسلامية، وكل القوى الفاعلة، ربما يكون المتاح الوحيد لما يجب فعله، علّ "عليق الغارة" ينفع الخيول السورية في الفوز أخيراً.

DFA85A82-084E-4893-8DEC-7CCF85756A53
جديع دواره

صحفي سوري، مواليد 1967، عمل في موقع سيريا نيوز حتى عام 2010، وفي مجلة "الاقتصادي" حتى منتصف 2011. معتقل سياسي تسع سنوات (1989 - 1998).