أمونيوس في آراء قدماء الفلاسفة

06 يناير 2015
+ الخط -
عاش أمونيوس، الملقب بـ "الملهم من الله" في الحقبة الهلنستية. منذ مطلع القرن الثالث، تحوّلت الأفلاطونية المحدثة إلى ديانة عقلية نخبوية، انتدبت نفسها للدّفاع عن اللاهوت الوثنيّ وتطويعه بما يتناسب مع الإلهيات العقلية عند أفلاطون، حيال انتشار المسيحية المتصاعد، وارتفاع نجم الديانات الشعبية الغنوصية. ينتمي أمونيوس إلى هذه الثقافة. ووفقًا للمصادر العربية، يبدو أن الدارسين العرب استطاعوا تحديد إطاره الزمني واتجاهه الفلسفي، لكن معلوماتهم عنه ضئيلة. لذا فضّل الغانمي الحديث عن "مدرسة أمونيوس"، لأنها مدرسة واضحة المعالم تماماً. واحتاط من سرعة التسليم بتاريخية الكتاب وموثوقية أصله اليونانيّ، إذ يحتمل أن يكون زوّره أحد العرب أو الآراميين لتسويق الفلسفة في الثقافة العربية. لكن الاحتياط ينتفي لدى المحقّق، إذ يجد دليلًا قطعيًا على أصالته في الثقافة اليونانية؛ الفقرات الكثيرة التي اقتبسها المؤلّف من كتاب هيبوليتس "دحض الهراطقة جميعًا"، الذي لم يقتبس أمونيوس إلا القسم الأوّل منه، وأهمل قسمه الثاني إهمالاً تاماً، أي القسم المتعلّق بآراء الحركات الغنوصية قبل المسيحية وبعدها بقليل. ليس هذا بالأمر العرضي الطارئ، بل معناه أنّ مؤلّف الكتاب لا يأخذ المذاهب الغنوصية على محمل الجدّ، وينصرف تركيزه على المذاهب الفلسفية ذات الطابع العقليّ فقط.
يعتبر الغانمي أن الكتاب مرّ بأطوار متعاقبة من التأويل اللغويّ، نتيجة تعدّد الترجمات التي ابتعد فيها عن أصله اليوناني، فما زالت المقاطع المقتبسة تدلّ على أصله، لكنّها لم تكن حرفية دائمًا.
ثمة أمران يرجحان أنّ الكتاب لم يترجم عن اليونانية مباشرة، بل نُقل بدايةً إلى السريانية، ثمّ لاحقًا إلى العربية؛ أوّلًا مقدّمة الكتاب، حيث يرد نصٌ لا ينتمي إلى المترجم العربي، ولا إلى المؤلّف اليوناني. وفيها يتوسط الكاتب نيل رضا "صاحب الزمان"، والقصد "صاحب الزمان" بالمعنى الغنوصي. وإذا كان كاتبه، سواء أكان أمونيوس أم غيره، قد كتبه في مطلع القرن السادس في الإسكندرية، فإن ترجمته إلى السريانية، تمّت في بيئة غنوصية لم تعرف المسيحية في صورتها الأرثوذكسية، وقد حصل هذا في القرن السادس أو بعده بقليل.
الأمر الثاني هو الخطأ في ترجمة مفردة البراهمة. يوضح الغانمي أنه قد يقال إن هذا الخطأ في الترجمة لم يكن خاصّا بمترجم الكتاب، ففي تلك الفترة المبكرة لم تكن الثقافة العربية تعرف البراهمة وديانتهم. إلا أن هذا الاعتراض غير صحيح تاريخيًا، فلدينا شواهد تاريخية حول معرفة العرب معرفةً دقيقة بديانتهم.
ووفقًا للغانمي، لا نستطيع تحديد تاريخ قطعي للترجمة إلى العربية، لكن لدينا اقتباسات في نصوص النسفي، يعود تاريخها إلى القرن الرابع للهجرة، وبالتالي فلا بدّ أن تكون الترجمة العربية قد تمّت في منتصف القرن الثالث للهجرة، الأمر الذي يؤكّده اطلاع الكندي على الكتاب، وفقًا لرسالة "الفعل الحقّ الأوّل التامّ والفاعل الناقص الذي هو بالمجاز". وإذا صح فعلاً أنّ الكندي اطلع عليه واستفاد منه، فإن ترجمته حينئذ ستكون قد جرت في أواسط القرن الثالث على يد أحد معاصريه.
هذا الكتاب أحد الكتب المهمّة الكثيرة التي حقّقها الغانمي، وتكمن أهميته في عناية المحقق بالهوامش عناية يستحق الثناء عليها.
المساهمون