أموال الجيوش

16 نوفمبر 2014
باتت الجيوش أداة الحاكم لتأديب الجيران (أرشيف/getty)
+ الخط -

في الماضي السحيق لم يعرف العالم جيوشا، كانت القبائل تحمي نفسها برجالها، لم يكن في العالم أصلا دول، ولما ظهرت الدول، ويقال إن هذا في مصر الفرعونية، ظهرت الحاجة إلى الجيوش، وانتشرت الفكرة بانتشار فكرة الدولة لاحقا.

كانت الجيوش في البداية تجهز لحماية البلاد من الأعداء، وينفق عليها بقدر الخطر الماثل، ويزيد عدد أفرادها وبالتالي ميزانياتها في حال الإقدام على حرب، أو التعرض لتهديد.

لاحقا باتت الجيوش أداة الحاكم لتأديب الجيران أو السطو على مقدراتهم أو سلب خيرات بلدانهم، أو توسيع الإمبراطوريات، ومن ينسى ما قاله ملك الهكسوس لحاكم مصر الفرعونية إن "أصوات أفراس النهر في النيل، جنوب مصر، تزعج نومه هناك في أقصى الشمال"، ما اتخذه ذريعة لتحريك جيشه لغزو مصر، ومن ذلك غزو أبرهة الحبشي، أثيوبيا حاليا، لمكة المكرمة بغرض هدم البيت الحرام، ليحج الناس إلى بيته الذي بناه بدلا من الكعبة.

في العصر الحديث باتت الجيوش تستهلك الكثير من ميزانيات الدول، وينفق عليها أموال كثيرة، وبات التباري في تجهيز الجيوش أمرا لا مناص منه.

قد يفهم هذا في الدول الثرية، أو المهددة، لكن الكارثة عندما تتحول دول نامية إلى الإنفاق على الجيوش بدلا من التنمية والصحة والتعليم.

في الشرق الأوسط أمثلة صارخة على الإنفاق على جيوش لا عمل لها، جيوش لا تقدم ولا تؤخر إلا بأمر من يتولى تسليحها، هذا القابع في البنتاغون أو في الكرملين وحده يحدد لتلك الجيوش خططها، كونه من يتولى التسليح والتدريب.

المصلحة متبادلة بلا شك، فتلك الجيوش المترهلة تستهلك بقايا السلاح والعتاد في الجيوش الكبرى، وتدفع فيها المليارات، كما أنها جاهزة دائما للتعاقد على صفقات جديدة كلما احتاجت مصانع السلاح الأجنبية أموالا، حتى وإن لم تكن في حاجة إلى تلك الأسلحة.

في المقابل، فإن الأنظمة الحاكمة يهمها أن تدعي، زورا، أن لديها جيوشا قادرة، وأن تُسوق لشعوبها حرصها على قوة الجيش الوطني في ظل الأخطار المحيقة بالعالم.

لكن الأهم أن تلك الجيوش باتت أداة الحكام للبقاء في سدة الحكم، إن رغبت الشعوب في التخلص منهم، كما في الربيع العربي.

المثير أن الجيوش لم تكتف بالحصول على كثير من مقدرات الدول، الفقيرة بالأساس، وإنما قررت أن تتدخل في إدارة اقتصاديات البلدان، حتى أن جيوشا عربية باتت دولا موازية داخل دولها، أو بات لديها اقتصاد يقارن باقتصاد الدولة أو يزيد، بينما لا حساب ولا رقابة.

المساهمون