أمواج انفصاليّة تهدّد الجزيرة السوريّة

04 ابريل 2014
سورية كردية لاجئة في مخيم قرب أربيل (getty)
+ الخط -

تجرّع أكراد سوريا مراراً من ويلات النظام، وخصوصاً خلال أحداث العام 2004، إثر أعمال احتجاجية تخللتها مباراة كرة قدم ضمن الدوري المحلي، كشفت أن اللعبة ليست "رمانة"، وإنما "قلوب مليانة"، كما يقول المثل الشامي. واليوم، يحاول بعض الأكراد أن يسقوا عرب منطقة الجزيرة السورية، شمال شرق البلاد، من الكأس نفسه. هواجس أكدت مصادر من سكان محليين لـ"العربي الجديد"، انتشارها في منطقة رأس العين.

وكان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي pyd، الذي يرى كثر الحديث عن أنه بمثابة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، قد أعلن عن إنشاء الإدارة الذاتية في مناطق كردية عدة شمال وشرق سوريا، بعد انسحاب القوات الحكومية منها، تحت تأثير المعارك مع المعارضة المسلحة في المدن الرئيسية الكبرى في العاصمة دمشق وحلب وحمص ودير الزور ودرعا.

خطوة رأت فيها المعارضة تنسيقاً ضمنياً بين النظام السوري والحزب الكردي. وكانت وثيقة مسرّبة تداولتها وسائل إعلام عربية، كشفت أن نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، اعترف في اجتماع مع نظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن النظام سلّم المنطقة إلى الحزب الكردي.

اتهام باتهام

وبحسب سكان عرب في المنطقة، استمزج "العربي الجديد" آراءهم، فإن أحزاباً كردية أنشأت، في شمال الحسكة، مؤسسات وأجهزة دولة لها جيشها وجهاز أمنها ومحاكمها وجماركها ومديرياتها المختلفة التي تعمل على فرض أمر واقع، وهو ما يرى البعض أنه يندرج في خانة الاستعداد للانفصال عن سوريا، ضمن أي سيناريو مستقبلي، سواء سقط النظام، أو بقي.

وفشلت مساعي "العربي الجديد" في الاتصال مع الناطق الرسمي لـ"وحدات الحماية الشعبية"، ريدور خليل.

ونقلت صحيفة ألمانية عن خليل تصريحاً بتاريخ 10نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مفاده أن عدد مقاتلي وحدات الحماية الشعبية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، يبلغ 45 ألف مقاتل، لديهم القدرة على حماية المناطق الكردية من دون مساعدة من أحد. وأضاف أن جميع المقاتلين خضعوا لدورات تدريبية لمدة 45 يوماً، مشيراً إلى أن قوات وحدات الحماية الشعبية لا تتعامل مع النظام، وليست لها علاقة به من قريب ولا من بعيد.

وسبق لرئيس حزب الاتحاد الديموقراطي، صالح مسلم، أن نفى في أكثر من مناسبة، أن تكون لهم نية لتقسيم سوريا، معتبراً أن ما يسعون إلى تشكيله هو "إدارة مؤقتة ستنتهي بنهاية حالة الفوضى في البلاد".

واستبعد مسلم حصول السيناريو العراقي في سوريا، في تصريح نشره موقع هيئة التنسيق المعارضة، التي يشغل منصباً قيادياً فيها، لافتاً إلى أن "هدفنا ليس إنشاء دولة قومية، بل كل ما نسعى إليه هو دولة شعبية ديموقراطية".

ورأى أنه من الأسلم أن يقوم سكان المناطق الكردية بإنشاء إدارة مدنية بصورة ديموقراطية مرحلية، "إلى أن يتم التوصل إلى حل للأزمة، أسوة بالمناطق الأخرى داخل سوريا".

ملامح الانفصال

ويكشف السكان المستمزجة آراؤهم، أن آخر الخطوات التي يمكن وضعها في إطار التحضير للانفصال، أو للحكم الذاتي، هي اعتزام الجانب الكردي إصدار جوازات سفر، وطلب كفلاء من السوريين العرب من مدن شمال الحسكة، كشرط لدخول السوريين إليها، على غرار ما هو معمول به في كردستان العراق.

وبحسب عدد من السكان، فإن هذه الوحدات تقوم بمداهمة البلدات والقرى العربية، ما تسبب في صدام مسلح مع أهلها، نجم عنه مقتل أكثر من 100 مدني بينهم 4 أطفال و3 نساء من العشائر العربية في ناحيتي تل تمر وتل براك.

كما أنها فرضت حصاراً على تلك القرى، ومنعت سكانها من التنقل، حتى أنهم لا يستطيعون مراجعة المستشفيات في القامشلي ورأس العين، الأمر الذي اضطرهم للجوء إلى المدن البعيدة كـ"الشدادي" و"دير الزور" أو إلى تركيا والأردن.

وفي رأس العين، أكدت مصادر استيلاء الوحدات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، على المباني والدوائر الحكومية والمدارس والمتنزّهات وغيرها من المرافق، كمستشفى رأس العين الوطني الذي غيرت اسمه إلى "روج آفا" ومحلج الحسكة والمراكز الثقافية وغيرها.

كما تم تسجيل اقتحام بعض منازل العرب في رأس العين، لتتحول إلى مقرات للحزب، معلنة وضع يدها على الأراضي العائدة للمواطنين العرب من المعارضين للنظام أو ممّن ساندوا "الجيش الحر".

وفي خطوة اعتبرها السكان العرب تسهيلاً لعملية "التكريد" في رأس العين ذات الغالبية العربية والقرى المحيطة بها، تعمّدت الوحدات الكردية تهجير أهالي الناشطين وعناصر "الجيش الحر" وكل أقربائهم كمرحلة أولى للتهجير، في إطار عقوبة جماعية قد تطال المئات من أجل شخص واحد.

ودعمت مصادر ما ذهب إليه السكان عن حصول تهجير 40 عائلة بسبب شخص واحد كان يقاتل إلى جانب "الجيش الحر" في قرية صغيرة تدعى الجهفة. وتقول المصادر إن جولة في مدينة رأس العين على سبيل المثال، تكفي ليدرك أي مراقب حقيقة ما يحدث شمال الحسكة، فالأعلام الكردية ترفرف فوق أبنية الدوائر الرسمية والمقرات الحزبية وعلى أعمدة الكهرباء وفي الأسواق والحارات، واللافتات، ولوحات الدلالة الكردية إلى جانب العربية، أو دونها، تعلو واجهات دوائر حكومة. ويعتبر معارضون أنّ النظام السوري يتساهل مع هذه التصرفات ليوصل رسالة مفادها "اذهبوا إلى المعارضة لتنقذكم، فتغضّ الطرف عمّا يجري في الشمال، فيفهم العرب بمن فيهم المسيحيون ما مفاده أن النظام هو ضمان وحدة البلاد ضد الانفصاليين الكرد".

والمشهد لا يقتصر على مدينة "رأس العين" وإنما يشمل مدن الشريط الحدودي جميعها.

"الخوّة"

وتتحدث المصادر عن سكان صاروا "تحت رحمة الميليشيات الكردية" وحواجزها، حتى بات يتطلّب اجتياز الحواجز ورقة مختومة بالختم الكردي، تحت طائلة الاعتقال ومصادرة السيارات بما تحمل، وهذا ما ينسحب على نقل المواطنين لأثاث منازلهم من مكان إلى آخر.

ويشرح أحد فلاحي رأس العين، لـ"العربي الجديد"، أنّ نقْل محصوله إلى مراكز التسويق يكلفه مبالغ "جمركية" تراوح بين 500 و2000 ليرة، بحسب حجم الحمولة، فضلاً عن 500 ليرة سورية لقاء ورقة مرور أيضاً لمؤسسات النظام، إضافة إلى أجور النقل.

وتدفع قاطرات المواد الغذائية الداخلة نحو القامشلي، نحو 100 ألف ليرة سورية (نحو 700 دولار) عن كل قاطرة، بما يشبه "الخوّة"، كشرط قبل اجتيازها حاجز الوحدات الكردية، بحسب تعبير عرب المنطقة.

وبعد اكتمال سيطرتها على مدن وقرى شمال محافظة الحسكة، أخذت بعض الوحدات الكردية التابعة لحزب الـpyd، وفق المصادر، بترهيب السكان العرب بقصد إذلالهم وكسر إرادة المعارضين للنظام وللفصيل الكردي "الانفصالي"، عن طريق إحراق منازلهم أو احتلالها، إذا كانت صالحة للاستخدام كمقرات، أو نسفها وتجريف بساتينها.

وفي سيناريو يذكّر السوريين بتصرف أجهزة الأمن السورية، فإن الدوريات التابعة للحزب الكردي تجوب القرى العربية برفقة أحد "المقنّعين" للتعرف على المعارضين "المطلوبين".

وهذا ما ينطبق أيضاً على حالات اختطاف للعشرات من الشبان العرب شهدتها المنطقة، والتي تليها مطالبة ذويهم بمبالغ مالية لإخلاء سبيلهم. وفي حال اعتراف المختطف تحت التعذيب بأي علاقة مع "الجيش الحر" أو المعارضة، فإن موعداً مع القضاء والقدر ينتظره من دون إخبار ذويه، كما تقول المصادر.

واعتبر سكان محليون أن هذه التصرفات هي أحد أهم أسباب الاحتقان المتفاقم في الحسكة، مشيرين إلى أن الأحزاب الكردية تمهّد الطريق إلى كيانها المأمول بحذف القومية العربية من منهاج المدارس، وإضافة حصص اللغة الكردية مع إهمال حصص التربية الإسلامية في المنطقة التي يعيش فيها خليط سكاني من مكوّنات قومية ودينية وطائفية مختلفة، ففيها إلى جانب العرب والأكراد آشوريون وكلدان وأرمن وسريان وشيشان وتركمان وإيزيديون وغيرهم.

المساهمون